كما أنعم عليهم بها في الدنيا في مواضع كثيرة، كقوله: ﴿يَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ﴾ [٢٣/٥٥-٥٦]، وقوله: ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ وَأُمْلِى لَهُمْ إِنَّ كَيْدِى مَتِينٌ﴾ [٦٨/٤٤-٤٥]، وقوله: ﴿وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [٣/١٧٨]، وقوله: ﴿مَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى...﴾ الآية [٣٤/٣٧]، وقوله تعالى: ﴿مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ﴾ [١١١/٢] إلى غير ذلك من الآيات.
وقوله: ﴿مُنْقَلَباً﴾ أي مرجعاً وعاقبة. وانتصابه على التمييز. وقوله: ﴿لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا﴾ قرأه ابن عامر ونافع وابن كثير منهما بصيغة تثنية الضمير. وقرأه الباقون منها بصيغة إفراد هاء الغائبة. فالضمير على قراءة تثنيته راجع إلى الجنتين في قوله: ﴿جَعَلْنَا لاًّحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ﴾ [١٨/٣٢]، وقوله: ﴿كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ﴾، وعلى قراءة الإفراد راجع إلى الجنة في قوله: ﴿وَدَخَلَ جَنَّتَهُ...﴾ الآية[١٨/٣٥].
فإن قيل: ما وجه إفراد الجنة مع أنهما جنتان؟ فالجواب: أنه قال ما ذكره الله عنه حين دخل إحداهما، إذ لا يمكن دخوله فيهما معاً في وقت واحد. وما أجاب به الزمخشري عن هذا السؤال ظاهر السقوط، كما نبه عليه أبو حيان في البحر.
قوله تعالى: ﴿قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً لَّكِنَّ هُوَ اللَّهُ رَبِّى وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّى أَحَدًا﴾. بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن ذلك الرجل المؤمن المضروب مثلاً للمؤمنين، الذين تكبر عليهم أولو المال والجاه من الكفار، قال لصاحبه الآخر الكافر المضروب مثلاً لذوي المال والجاه من الكفار، منكراً عليه كفره ـ أكفرت بالذي خلقك من تراب، ثم من نطفة، ثم سواك رجلاً، لأن خلقه إياه من تراب ثم من نطفة، ثم تسويته إياه رجلاً، كل ذلك يقتضي إيمانه بخالقه الذي أبرزه من العدم إلى الوجود، وجعله بشراً سوياً، ويجعله يستبعد منه كل البعد الكفر بخالقه الذي أبرزه من العدم إلى الوجود. وهذا المعنى المبين هنا بينه في مواضع أخر، كقوله تعالى: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [٢/٢٨]، وقوله تعالى: ﴿وَمَا لِىَ لاَ أَعْبُدُ الَّذِى فَطَرَنِى وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [٣٦/٢٢] وقوله تعالى: {قَالَ أَفَرَءَيْتُمْ مَّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِى إِلاَّ رَبَّ


الصفحة التالية
Icon