بعضهم: والظواهر إذا كثرت صارت بمنزلة النص. ومن المعلوم أن الأصل في الاستثناء الاتصال لا الانقطاع. قالوا: ولا حجة لمن خالفنا في قوله: تعالى ﴿كَانَ مِنَ الْجِنّ﴾ [١٨/٥٠] لأن الجن قبيلة من الملائكة، خلقوا من بين الملائكة من نار السموم كما روي عن ابن عباس. والعرب تعرف في لغتها إطلاق الجن على الملائكة. ومنه قول الأعشى في سليمان بن داود:

وسخر من جن الملائك تسعة قياماً لديه يعملون بلا أجر
قالوا: ومن إطلاق الجن على الملائكة قوله تعالى: ﴿وَجَعَلُواْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً﴾ [٣٧/١٥٨] عند من يقول: بأن المراد بذلك قولهم:: الملائكة بنات الله. سبحانه وتعالى عن كل ما لا يليق بكماله وجلاله علواً كبيراً! وممن جزم بأنه ليس من الملائكة في الأصل لظاهر هذه الآية الكريمة: الحسن البصري، وقصره الزمخشري في تفسيره. وقال القرطبي في تفسير سورة البقرة: إن كونه من الملائكة هو قول الجمهور: ابن عباس، وابن مسعود، وابن جريج، وابن المسيب، وقتادة وغيرهم. وهو اختيار الشيخ أبي الحسن، ورجحه الطبري، وهو ظاهر قوله: إلا إبليس اهـ وما يذكره المفسرون عن جماعة من السلف كابن عباس وغيره: من أنه كان من أشراف الملائكة، ومن خزان الجنة، وأنه كان يدبر أمر السماء الدنيا، وأنه كان اسمه عزازيل ـ كله من الإسرائيليات التي لا معول عليها.
وأظهر الحجج في المسألة، حجة من قال: إنه غير ملك؛ لأن قوله تعالى: ﴿إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ...﴾ الآية [١٨/٥٠]، وهو أظهر شيء في الموضوع من نصوص الوحي. والعلم عند الله تعالى.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: ﴿فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾ أي خرج عن طاعة أمر ربه. والفسق في اللغة: الخروج. ومنه قول رؤبة بن العجاج:
يهوين في نجد وغوراً غائرا فواسقاً عن قصدها جوائرا
وهذا المعنى ظاهر لا إشكال فيه. فلا حاجة لقول من قال: إن ﴿عن﴾ سببية، كقوله: ﴿وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ﴾ [١١/٥٣] أي بسببه وأن المعنى: ففسق عن أمر ربه، أي بسبب أمره حيث لم يمتثله، ولا غير ذلك من الأقوال.
وقوله: في هذه الآية الكريمة: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ


الصفحة التالية
Icon