له هنا من أن من أشقاهم الله لا ينفع فيهم التذكير جاء مبيناً في مواضع أخر، كقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾ [١٠/٩٦]، وقوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾ [٢٦/٢٠٠]، وقوله تعالى: ﴿وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ﴾ [١٠/١٠١]، وقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ﴾ [١٠/١٠٠]، وقوله تعالى: ﴿إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ [١٦/٣٧]. وهذه الآية وأمثالها في القرآن فيها وجهان معروفان عند العلماء.
أحدهما: أنها في الذين سبق لهم في علم الله أنهم أشقياء، عياذاً بالله تعالى.
والثاني: أن المراد أنهم كذلك ما داموا متلبسين بالكفر. فإن هداهم الله إلى الإيمان وأنابوا زال ذلك المانع، والأول أظهر والعلم عند الله تعالى. والفاء في قوله: ﴿إِذَا أَتَيَآ﴾ لأن الفعل الذي بعد ﴿لن﴾ لا يصلح أن يكون شرطاً لـ ﴿إن﴾ ونحوها. والجزاء إذا لم يكن صالحاً ﴿لأن﴾ يكون شرطاً لـ ﴿إن﴾ ونحوها ـ لزم اقترانه بالفاء. كما عقده في الخلاصة بقوله:
واقرن بفاحتما جواباً لو جعل | شرطاً لأن أو غيرها لم ينجعل |
وإيضاح ذلك: أن الزمخشري هنا وأبا حيان ظنا أن قوله: ﴿وإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى﴾ شرط وجزاء، وأن الجزاء مرتب على الشرط كترتيب الجزاء على ما هو شرط فيه. ولذا ظنا أن الجزاء الذي هو عدم الاهتداء المعبر عنه في الآية بقوله: ﴿فَلَنْ يَهْتَدُواْ﴾ مرتب على الشرط الذي هو دعاؤه إياهم المعبر عنه في الآية بقوله :﴿وإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى﴾ المشار إليه أيضاً بقوله: إذاً فصار دعاؤه إياهم سبب انتفاء اهتدائهم وهذا غلط. لأن هذه القضية الشرطية في هذه الآية الكريمة ليست شرطية لزومية، حتى يكون بين شرطها وجزائها ارتباط، بل هي شرطية اتفاقية، والشرطية الاتفاقية