مقدماً، و ﴿أنت﴾ مبتدأ مؤخراً، وأن يكون ﴿أراغب﴾ مبتدأ و ﴿أنت﴾ فاعل سد مسد الخبر. ويترجح هذا الإعراب الأخير على الأول من وجهين: الأول: أنه لا يكون فيه تقديم ولا تأخير. والأصل في الخبر التأخير كما هو معلوم. الوجه الثاني: هو ألا يكون فصل بين العامل الذي هو ﴿أراغب﴾ وبين معمولة الذي هو ﴿عن آلهتي﴾ بما ليس بمعمول للعامل. لأن الخبر ليس هو عاملاً في المبتدأ، بخلاف كون ﴿أنت﴾ فاعلاً. فإنه معمول ﴿أراغب﴾ فلم يفصل بين ﴿أراغب﴾ وبين ﴿عن آلهتي﴾ بأجنبي، وإنما فصل بينهما بمعمول المبتدأ الذي هو فاعله الساد مسد خبره. والرغبة عن الشيء: تركه عمداً المزهد فيه، وعدم الحاجة إليه، وقد قدمنا في سورة «النساء» الفرق بين قولهم: رغب عنه، وقولهم: رغب فيه في الكلام على قوله تعالى: ﴿وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ...﴾ الآية[٤/١٢٧]، والتحقيق في قوله: ﴿ملياً﴾ أن المراد به الزمن الطويل ومنه قول مهلهل:

فتصدعت صم الجبال لموته وبكت عليه المرملات مليا
وأصله واوي اللام. لأنه من الملاوة وهي مدة العيش. ومن ذلك قيل الليل والنهار. الملوان: ومنه قول ابن مقبل:
ألا يا ديار الحي بالسبعان أمل عليها بالبلي الملوان
وقول الآخر:
نهار وليل دائم ملواهما على كل حال المرء يختلفان
وقيل الملوان في بيت ابن مقبل:
طرفا النهار. وقوله: ﴿إِنَّهُ كَانَ بِى حَفِيّاً﴾، أي: لطيفاً بي. كثير الإحسان إلي. وجملة ﴿وَاهْجُرْنِى﴾ عطف على جملة ﴿لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ﴾، وذلك دليل على جواز عطف الجملة الإنشائية على الجملة الخبرية، ونظير ذلك من كلام العرب قول امرىء القيس:
وإن شفائي عبرة إن سفحتها وهل عند رسم دارس من معول
فجملة «وإن شفائي» خبرية، وجملة «وهل عند رسم» الخ إنشائية معطوفة عليها.
وقول الآخر أيضاً:
تناغى غزالا عند باب ابن عامر وكحل مآقيك الحسان بإثمد
وهذا هو الظاهر كما قاله أبو حيان عن سيبويه. وقال الزمخشري في الكشاف: فإن


الصفحة التالية
Icon