يدل على العدل، وهو اسم مدح واجب على كل واحد في كل حال بحسب الإمكان. بخلاف اسم القياس فإنه ينقسم إلى حق وباطل، وممدوح ومذموم، ولهذا لم يجىء في القرآن مدحه ولا ذمه، ولا الأمر به ولا النهي عنه، فإنه مورد تقسيم إلى صحيح وفاسد. فالصحيح هو الميزان الذي أنزله الله مع كتابه، والفاسد ما يضاده كقياس الذين قاسوا البيع على الربا بجامع ما يشتركان فيه من التراضي بالمعاوضة المالية، وقاس الذين قاسوا الميتة على المذكي في جواز أكلها بجامع ما يشتركان فيه من إزهاق الروح، هذا بسبب من الآدميين، وهذا بفعل الله. ولهذا تجد في كلام السلف ذم القياس، وأنه ليس من الدين، وتجد في كلامهم استعماله والاستدلال به، وهذا حق وهذا حق. كما سنبينه إن شاء الله تعالى.
والأقيسة المستعملة في الاستدلال ثلاثة: قياس علة، وقياس دلالة، وقياس شبه، وقد وردت كلها في القرآن.
فأما قياس العلة: فقد جاء في كتاب الله عز وجل في مواضع. منها قوله تعالى، ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ فأخبر تعالى أن عيسى نظير آدم في التكوين، بجامع ما يشتركان فيه من المعنى الي تعلق به وجود سائر المخلوقات، وهو مجيئها طوعاً لمشيئته وتكوينه، فكيف يستنكر وجود عيسى من غير أب من يقر بوجود آدم من غير أب ولا أم، ووجود حواء من غير أم. فآدم وعيسى نظيران يجمعهما الذي يصح تعليق الإيجاد والخلق به.
ومنها قوله تعالى: ﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ أي قد كان من قبلكم أمم أمثالكم، فانظروا إلى عواقبهم السيئة، واعلموا أن سبب ذلك ما كان من تكذيبهم بآيات الله ورسله، وهم الأصل وأنتم الفرع، والعلة الجامعة التكذيب، والحكم الهلاك.
ومنها قوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَاراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ﴾ فذكر سبحانه إهلاك من قبلنا من القرون، وبين أن ذلك كان لمعنى القياس وهو ذنوبهم، فهم الأصل ونحن الفرع، والذنوب العلة الجامعة، والحكم الهلاك. فهذا محض قياس العلة، وقد أكده سبحانه بضرب من الأولى،