رسول الله ﷺ فأهل بالعمرة، ثم أهل بالحج وهو تصريح منه رضي الله عنه، بأنه أهل بالعمرة قبل الحج ومنها: حديث عمر رضي الله عنه عند البخاري، وقد قدمناه أيضاً وفيه: " وقل عمرةٍ في حجة" وكان ذلك بالعقيق قبل إحرامه، وأهل هذا القول جمعوا بين الأحاديث الواردة بالإفراد، والأحاديث الواردة بالقران، والأحاديث الواردة بالتمتع، بغير الجمع الذي ذكرناه عن القائلين بأفضلية الإفراد، وهو أن وجه الجمع أن المراد بالإفراد: إفراد أعمال الحج، لأن القارن يفعل في أعمال الحج كما يفعله الحاج المفرد، فيطوف لهما طوافاً واحداً، ويسعى لهما سعياً واحداً، على أصح الأقوال، وأقواها دليلاً. وأما جوابهم عن أحاديث التمتع فواضح لأن الصحابة يطلقون التمتع على القراآن كما قدمنا في حديث عمران بن حصين، وكما يدل له ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما، عن سعيد بن المسيب قال: اجتمع عثمان وعلي رضي الله عنهما، وكان عثمان ينهي عن المتعة فقال علي ما تريد إلى أمر فعله رسول الله ﷺ تنهى عنه فقال عثمان: دعنا منك فقال: إني لا أستطيع أن أدعك، فلما رأى ذلك علي أهل بهما جميعاً. فهذا يبين: أن من جمع بينهما كان متمتعاً عندهم، وأن هذا هو الذي فعله صلى الله عليه وسلم، وأقره عثمان، على أن النَّبي ﷺ فعل ذلك، لكن الخلاف بينهما في الأفضل من ذلك.
ومما يدل على أن القارن متمتع عندهم حديث ابن عمر المتفق عليه الذي قدمناه في هذا المبحث فإن في لفظه عند الشيخين: تمتع رسول الله ﷺ في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج، وأهدى، فساق الهدي من ذي الحليفة، وبدأ رسول الله ﷺ فأهل بالعمرة، ثم أهل بالحج فتراه صرح بأن مراده بالتمتع القران.
المسألة الخامسة
اعلم: أن حجة من قال: بأن التمتع أفضل مطلقاً، ومن قال: بأنه أفضل لمن لم يسق الهدي، وكلاهما مروي عن الإمام أحمد هي: أن النَّبي ﷺ أمر جميع أصحابه، الذين لم يسوقوا هدياً أن يفسخوا حجهم في عمرة. كما هو ثابت عن جماعة من الصحابة بروايات صحيحة لا مطعن فيها، وتأسف هو صلوات الله وسلامه عليه، على سوقه للهدي الذي كان سبباً لعدم تحلله بالعمرة معهم. قالوا: لو لم يكن التمتع هو أفضل الأنساك، لما أمر به أصحابه، ولما تأسف على أنه لم يفعله في قوله: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة".


الصفحة التالية
Icon