وبالبيان فيكون حكمه حكم المبين اهـ منه، وهو واضح، والمبين بصيغة اسم المفعول في آيات الحج، وهدي التمتع واجب، لأن الحج واجب إجماعاً، وهدي التمتع واجب إجماعاً، فالفعل المبين لهما يكون واجباً على ما قررناه، وعليه عامة أهل الأصول، إلا ما أخرجه دليل خاص وبه تعلم أن ذبحه ﷺ هديه يوم النحر، وهو قارن وذبحه عن أزواجه يوم النحر، وهن متمتعات، وعن عائشة وهي قارنة: فعل مبين لنص واجب، فهو واجب، ولا تجوز مخالفته في نوع الفعل، ولا في زمانه، ولا في مكانه إلا فيما أخرجه دليل خاص، كغير المكان الذي ذبح فيه من منى، لأنه بين أن منى كلها منحر، ولم يبين أن الزمن كله وقت نحر، ومما يؤيد ذلك ما اختاره بعض أهل الأصول، من أن فعله ﷺ الذي لم يكن بياناً لمجمل، ولم يعلم هل فعله على سبيل الوجوب، أو على سبيل الندب أنه يحمل على الوجوب، لأنه أحوط وأبعد من لحوق الإثم، إذ على احتمال الندب، والإباحة لا يقتضي ترك الفعل إثماً، وعلى احتمال الوجوب يقتضي الترك الإثم، وإلى هذا أشار في مراقي السعود في مبحث أفعاله ﷺ بقوله:
وكل ما الصفة فيه تجهل | فللوجوب في الأصح يجعل |
وقال صاحب الضياء اللامع: وبهذا قال مالك في رواية أبي الفرج، وابن خويز مقداد وقال به الأبهري، وابن القصار، وأكثر أصحابنا، وبعض الشافعية، وبعض الحنفية، وبعض الحنابلة، وبعض المعتزلة. واستدل أهل هذا القول بأدلة.
منها قوله تعالى: ﴿لّلَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ﴾ [الأحزاب: ٢١] قالوا: معناه: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فله فيه أسوة حسنة، ويستلزم أن من ليس له فيه أسوة حسنة، فهو لا يؤمن بالله واليوم الآخر، وملزوم الحرام حرام ولازم الواجب واجب. وقالوا أيضاً: وهو مبالغة في التهديد، على عدم الأسوة فتكون الأسوة واجبة، ولا شك أن من الأسوة اتباعه في أفعاله.
ومنها: قوله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [ الحشر: ٧] قالوا: وما فعله فقد آتاناه، لأنه هو المشرع لنا بأقواله وأفعاله. وتقريره.