حفظهم فروجهم، لا يلزمهم عن نسائهم الذين ملكوا الاستمتاع بهن بعقد الزواج أو بملك اليمين، والمراد به التمتع بالسراري، وبين أن من لم يحفظ فرجه عن زوجه أو سريته لا لوم عليه، وأن من ابتغى تمتعاً بفرجه، ورواء ذلك غير الأزواج والمملوكات فهو من العادين: أي المعتدين المتعدين حدود الله، المجاوزين ما أحله الله إلى ما حرمه.
وبين معنى العادين في هذه الآية قوله تعالى في قوم لوط: ﴿أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ، وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ﴾ [الشعراء: ٢٥] وهذا الذي ذكره هنا ذكره أيضاً في سورة سأل سائل لأنه قال فيها في الثناء على المؤمنين ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ﴾ [المعارج: ٢٩].
مسائل تتعلق بهذه الآية الكريمة
المسألة الأولى : اعلم أن ما في قوله: ﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ [المؤمنون: ٦] من صيغ العموم، والمراد بها من وهي من صيغ العموم. فآية ﴿قَدْ أَفْلَحَ المؤْمِنُونَ﴾ [المؤمنون: ١] وآية ﴿سَأَلَ سَائِلٌ﴾ [المعارج: ١] تدل بعمومها المدلول عليه بلفظة ما، في قوله ﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ في الموضعين على جواز جمع الأختين بملك اليمين في التسري بهما معاً لدخولهما في عموم ﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ وبهذا قال داود الظاهري، ومن تبعه: ولكن قوله تعالى: ﴿وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأخْتَيْنِ﴾ [النساء: ٢٣] يدل بعمومه على منع جمع الأختين، بملك اليمين، لأن الألف واللام في الأختين صيغة عموم، تشمل كل أختين. سواء كانتا بعقد أو ملك يمين ولذا قال عثمان رضي الله عنه، لما سئل عن جمع الأختين بملك اليمين: أحلتهما آية، وحرمتهما أخرى يعني بالآية المحللة ﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ﴾ وبالمحرمة ﴿وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ لأخْتَيْنِ﴾.
وقد أوضحنا هذه المسألة في كتابنا دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب وسنذكر هنا إن شاء الله المهم مما ذكرنا فيه ونزيد ما تدعو الحاجة إلى زيادته.
وحاصل تحرير المقام في ذلك: أن الآيتين المذكورتين بينهما عموم، وخصوص من وجه، يظهر للناظر تعارضهما في الصورة التي يجتمعان فيها كما قال عثمان رضي الله عنهما: أحلتهما آية، وحرمتهما أخرى وإيضاحه أن آية: ﴿وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الأخْتَيْنِ﴾ تنفرد عن آية ﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ في الأختين المجموع بينهما، بعقد نكاح وتنفرد


الصفحة التالية
Icon