أما إن كانت محصنة، بمعنى أنها قد تزوجت من قبل الزنى، وجامعها زوجها في نكاح صحيح فإنها ترجم.
والآية التي خصصتها بهذا الحكم الذي ذكرنا أنها منسوخة التلاوة باقية الحكم، هي قوله تعالى: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله، والله عزيز حكيم".
وهذا التخصيص إنما هو على قول من يقول: لا يجمع للزاني المحصن، بين الجلد والرجم، وإنما يرجم فقط بدون جلد.
أما على قول من يرى الجمع بينهما فلا تخصيص، وإنما في آية الرجم زيادته على الجلد، فكلتا الآيتين أثبتت حكما لم تثبته الأخرى، وسيأتي أيضاح هذا إن شاء الله غير بعيد وأقوال أهل العلم فيه ومناقشة أدلتهم.
أما الزاني الذكر فقد دلت الآية التي ذكرنا، أنها منسوخة التلاوة باقية الحكم على تخصيص عمومه، وأن الذي يجلد المائة من الذكور، إنما هو الزاني البكر، وأما المحصن فإنه يرجم، وهذا التخصيص في الذكر أيضا إنما هو على قول من لا يرى الجمع بين الجلد والرجم؛ كما أوضحناه قريبا في الأنثى.
وأما على قول من يرى الجمع بينهما فلا تخصيص، بل كل واحدة من الآيتين أثبتت حكما لم تثبته الأخرى.
وعموم الزاني في آية "النور" هذه، مخصص عند الجمهور أيضا مرة أخرى، بكون جلد المائة خاصا بالزاني الحر، أما الزاني الذكر العبد فإنه يجلد نصف المائة، وهو الخمسون.
ووجه هذا التخصيص: إلحاق العبد بالأمة في تشطير حد الزنى بالرق؛ لأن مناط التشطير الرق بلا شك؛ لأن الذكورة والأنوثة بالنسبة إلى الحدود وصفان طرديان، لا يترتب عليهما حكم، فدل قوله تعالى في آية "النساء" في الإماء: ﴿فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ﴾ [النساء: ٢٥]، أن الرق مناط تشطير حد الزنى، إذ لا فرق بين الذكر والأنثى في الحدود، فالمخصص لعموم الزاني في الحقيقة، هو ما أفادته آية: ﴿فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ﴾، وإن سماه الأصوليون تخصيصا بالقياس، فهو في الحقيقة تخصيص آية بما فهم من آية أخرى.