حتى ينتهي أجل عدتها، وقد صرح الله بأن الحوامل أجلهن أن يضعن حملهن، فيجب استصحاب هذا العموم، ولا يخرج منه إلا ما أخرجه دليل من كتاب أو سنة.
الفرع الثالث: اعلم أن أظهر قولي أهل العلم عندي أن الزانية والزاني إن تابا من الزنا وندما على ما كان منهما ونويا أن لا يعودا إلى الذنب، فإن نكاحهما جائز، فيجوز له أن ينكحها بعد توبتهما، ويجوز نكاح غيرهما لهما بعد التوبة؛ لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، ويدل لهذا قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً. إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً﴾ [الفرقان: ٦٨-٧٠]، فقد صرح جل وعلا في هذه الآية أن الذين يزنون ومن ذكر معهم إن تابوا وآمنوا، وعملوا عملا صالحا يبدل الله سيئاتهم حسنات، وهو يدل على أن التوبة من الزنا، تذهب أثره. فالذين قالوا: إن من زنا بامرأة لا تحل له مطلقا، ولو تابا وأصلحا فقولهم خلاف التحقيق، وقد وردت آثار عن الصحابة بجواز تزويجه بمن زنى بها إن تابا، وضرب له بعض الصحابة مثلا برجل سرق شيئا من بستان رجل آخر، ثم بعد ذلك اشترى البستان فالذي سرقه منه حرام عليه، والذي اشتراه منه حلال له، فكذلك ما نال من المرأة حراما فهو حرام عليه، وما نال منها بعد التوبة والتزويج حلال له، والعلم عند الله تعالى.
واعلم أن قول من رد الاستدلال بآية: ﴿وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ﴾ [الفرقان: ٦٨]، قائلا: إنها نزلت في الكفار لا في المسلمين، يرد قوله: أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، كما أوضحنا أدلته من السنة الصحيحة مرارا، والعلم عند الله تعالى.
الفرع الرابع: اعلم أن الذين قالوا بجواز نكاح العفيف الزانية، لا يلزم من قولهم أن يكون زوج الزانية العفيف ديوثا؛ لأنه إنما يتزوجها ليحفظها، ويحرسها، ويمنعها من ارتكاب ما لا ينبغي منعا باتا بأن يراقبها دائما، وإذا خرج ترك الأبواب مقفلة دونها، وأوصى بها من يحرسها بعده فهو يستمتع بها، مع شدة الغيرة والمحافظة عليها من الريبة، وإن جرى منها شىء لا علم له به مع اجتهاده في صيانتها وحفظها فلا شىء عليه فيه، ولا يكون به ديوثا، كما هو معلوم. وقد علمت مما مر أن أكثر أهل العلم على جواز نكاح العفيف الزانية كعكسه، وأن جماعة قالوا بمنع ذلك.