علي إن كان صادقا فيما رماني به من الزنى؛ كما هو واضح من نص الآية.
الجهة الثالثة: أن الله بين هنا حكم عقوبة من رمى المحصنات في الدنيا، ولم يبين ما أعد له في الآخرة، ولكنه بين في هذه السورة الكريمة ما أعد له في الدنيا والآخرة من عذاب الله، وذلك في قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ. يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ﴾ [النور: ٢٣-٢٥]، وقد زاد في هذه الآية الأخيرة كونهن مؤمنات غافلات لإيضاح صفاتهن الكريمة.
ووصفه تعالى للمحصنات في هذه الآية بكونهن غافلان ثناء عليهن بأنهن سليمات الصدور نقيات القلوب لا تخطر الريبة في قلوبهن لحسن سرائرهن، ليس فيهن دهاء ولا مكر؛ لأنهن لم يجربن الأمرو فلا يفطن لما تفطن له المجربات ذوات المكر والدهاء، وهذا النوع من سلامة الصدور وصفائها من الريبة من أحسن الثناء، وتطلق العرب على المتصفات به اسم البله مدحا لها لا ذما، ومنه قول حسان رضي الله عنه:

نفج الحقيبة بوصها متنضد بلهاء غير وشيكة الإقسام
وقول الآخر:
ولقد لهوت بطفلة ميالة بلهاء تطلعني على أسرارها
وقول الآخر:
عهدت بها هندا وهند غريرة عن الفحش بلهاء العشاء نؤم
رداح الضحى ميالة بحترية لها منطق بصبى الحليم رخيم
والظاهر أن قوله تعالى: ﴿الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ. يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النور: ٢٣-٢٤]، محله فيما إذا لم يتوبوا ويصلحوا، فإن تابوا وأصلحوا، لم ينلهم شىء من ذلك الوعيد، ويدل له قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ﴾ إلى قوله: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا﴾.
وعمومات نصوص الكتاب والسنة دالة على أن من تاب إلى الله من ذنبه توبة نصوحا


الصفحة التالية
Icon