في حديث ابن عباس الذي ذكرنا محل الغرض منه.
والذي يظهر لنا أن الحامل تلاعن قبل الوضع لتصريح الأحاديث الصحيحة بذلك، ولما ذكره ابن حجر في كلامه الذي نقلناه آنفا، والعلم عند الله تعالى.
المسألة التاسعة: اعلم أن أظهر أقوال أهل العلم عندي فيمن طلق امرأته ثم قذفها بعد الطلاق، أنه إن كان قذفه لها بنفي حمل لم يعلم به إلا بعد الطلاق، أنه يلاعنها لنفي ذلك الحمل عنه، وإن كانت بائنا، وأنه إن قذفها بالزنى بعد الطلاق حد، ولم يلاعن لأن تأخيره القذف واللعان إلى زمن بعد الطلاق دليل على أنه قاذف، والأظهر ولو كان الطلاق رجعيا، ولم تنقض العدة، وإن كانت الرجعية في حكم الزوجة؛ لأن طلاقه إياها قبل القذف دليل على أنه لا يريد اللعان ويجلد، وهو قول ابن عباس. وقيل: يلاعن الرجعية قبل انقضاء العدة، لأنها في حكم الزوجة، وهو مذهب أحمد المشهور ورواية أبي طالب عنه، وبه قال ابن عمر، وجابر، وزيد، والنخعي، والزهري، والشافعي، وإسحاق، وأبو عبيد، وأبو ثور، وأصحاب الرأي وله وجه من النظر، والله أعلم.
وقال القرطبي: لا ملاعنة بين الرجل وزوجته بعد انقضاء العدة إلا في مسألة واحدة، وهي أن يكون الرجل غائبا فتأتي امرأته بولد في مغيبه، وهو لا يعلم فيطلقها فتنقضي عدتها ثم يقدم فينفيه، فله أن يلاعنها هنا بعد العدة. وكذلك لو قدم بعد وفاتها ونفى الولد لاعن لنفسه وهي ميتة بعد مدة من العدة ويرثها؛ لأنها ماتت قبل وقوع الفرقة بينهما، اهـ منه. ولا نص فيه، وله وجه من النظر.
وقال القرطبي أيضا: إذا قذفها بعد الطلاق نظرت، فإن كان هناك نسب يريد أن ينفيه، أو حمل يريد أن يتبرأ منه لاعن، وإلا لم يلاعن، وقال عثمان البتي: لا يلاعن بحال. وقال أبو حنيفة: لا يلاعن في الوجهين؛ لأنها ليست بزوجة، وهذا ينتقض عليه بالقذف قبل الزوجية كما ذكرناه آنفا بل هذا أولى؛ لأن النكاح قد تقدم، وهو يريد الانتفاء من النسب، وتبرئته من ولد يلحق به، فلا بد من اللعان، وإذا لم يكن هناك حمل يرجى، ولا نسب يخاف تعلقه لم يكن للعان فائدة فلم يحكم به، وكان قذفا مطلقا داخلا تحت عموم قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ﴾، فوجب عليه الحد، وبطل ما قاله البتي لظهور فساده، انتهى كلام القرطبي.
وقد قدمنا أن القول بلعان الرجعية قبل انقضاء العدة له وجه من النظر؛ لأنها في حكم


الصفحة التالية
Icon