وقال الزمخشري في تفسير هذه الآية الكريمة: فإن قلت لا حاجة إلى تعليق المغفرة بهن؛ لأن المكرهة على الزنى، بخلاف المكره عليه في أنها غير آثمة.
قلت: لعل الإكراه كان دون ما اعتبرته الشريعة من إكراه بقتل، أو بما يخاف منه التلف، أو ذهاب العضو من ضرب عنيف أو غيره، حتى يسلم من الإثم، وربما قصرت عن الحد الذي تعذر فيه فتكون آثمة، انتهى منه.
والذي يظهر أنه لا حاجة إليه، لأن إسقاط المؤاخذة بالإكراه يصدق عليه أنه غفران ورحمة من الله بعبده، والعلم عند الله تعالى. قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ﴾ [النور: ٣٤].
ذكر الله جلا وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه أنزل إلينا على لسان نبيه ﷺ آيات مبينات، ويدخل فيها دخولا أوليا الآيات التي بينت في هذه السورة الكريمة، وأوضحت في معاني الأحكام والحدود، ودليل ما ذكر من القرآن قوله تعالى: ﴿سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النور: ١] ولا شك أن هذه الآيات المبينات المصرح بنزولها في هذه السورة الكريمة، داخلة في قوله تعالى هنا: ﴿وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ﴾ [النور: ٣٤] الآية.
وبذلك تعلم أن قوله تعالى هنا: ﴿وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ﴾ معناه: أنزلناها إليكم لعلكم تذكرون: أي تتعظون بما فيها من الأوامر والنواهي، والمواعظ، ويدل لذلك قوله تعالى: ﴿سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النور: ١] فقد صرح في هذه الآية الكريمة بأن من حكم إنزالها، أن يتذكر الناس، ويتعظوا بما فيها، ويدل لذلك عموم قوله تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [صّ: ٢٩] وقوله تعالى: ﴿المص * كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف: ٢] إلى غير ذلك من الآيات.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: ﴿وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ معطوف على آيات: أي أنزلنا إليكم ﴿آيَاتٍ﴾، وأنزلنا إليكم مثلا من الذين خلوا من قبلكم.