الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: ٣٩]، فقوله: ﴿حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾، أي: حتى لا يبقى شرك على أصح التفسيرين، ويدل على صحته قوله بعده: ﴿وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ﴾ ؛ لأن الدين لا يكون كله لله حتى لا يبقى شرك، كما ترى. ويوضح ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إلاه إلا الله"، كما لا يخفى.
والرابع: إطلاق الفتنة على الحجة في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام: ٢٣]، أي: لم تكن حجتهم، كما قال به بعض أهل العلم.
والأظهر عندي: أن الفتنة في قوله هنا: ﴿أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ﴾، أنه من النوع الثالث من الأنواع المذكورة.
وأن معناه أن يفتنهم الله، أي: يزيدهم ضلالا بسبب مخالفتهم عن أمره، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم.
وهذا المعنى تدل عليه آيات كثيرة من كتاب الله تعالى ؛ كقوله جل وعلا: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [المطففين: ١٤]، وقوله تعالى: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ [الصف: ٥]، وقوله تعالى: ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً﴾ [البقرة: ١٠]، وقوله تعالى: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ﴾ [التوبة: ١٢٥]، والآيات بمثل ذلك كثيرة، والعلم عند الله تعالى.
﴿قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ﴾.
بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه يعلم ما عليه خلقه، أي من الطاعة والمعصية وغير ذلك.
وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية مع أنه معلوم بالضرورة من الدين، جاء مبينا في آيات كثيرة؛ كقوله تعالى: ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ﴾ [يونس: ٦١]، وقوله تعالى: ﴿أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ [هود: ٥]، وقوله تعالى: ﴿أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ﴾ [الرعد: ٣٣]، أي: هو شهيد على عباده بما هم فاعلون من خير وشر. وقوله