يعلم ما غاب في السماواتوالأرض؛ كما يدلّ عليه قوله بعده: ﴿وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ﴾، وكقوله في هذه السورة الكريمة: ﴿وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾، وقوله: ﴿وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾، كما أوضحناه في سورة "هود"، وقرأ هذا الحرف عامّة القرّاء السبعة غير الكسائي: ﴿أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ﴾ بتشديد اللام في لفظة ﴿أَلاّ﴾، ولا خلاف على هذه القراءة أن يسجدوا فعل مضارع منصوب بأن المدغمة في لفظة لا، فالفعل المضارع على هذه القراءة، وأن المصدرية المدغمة في لا ينسبك منهما مصدر في محل نصب على الأظهر، وقيل في محل جرّ وفي إعرابه أوجه:
الأوّل: أنه منصوب على أنه مفعول من أجله، أي: ﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ﴾، من أجل ﴿أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ﴾، أي: من أجل عدم سجودهم للَّه، أو ﴿فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ﴾، لأجل ﴿أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ﴾، وبالأوّل قال الأخفش. وبالثاني قال الكسائي، وقال اليزيدي وغيره: هو منصوب على أنه بدل من ﴿أَعْمَالَهُمْ﴾، أي: ﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ﴾ ﴿أَلَّا يَسْجُدُوا﴾، أي: عدم سجودهم، وعلى هذا فأعمالهم هي عدم سجودهم للَّه، وهذا الإعراب يدلّ على أن الترك عمل؛ كما أوضحناه في سورة "الفرقان"، في الكلام على قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً﴾، وقال بعضهم: إن المصدر المذكور في محل خفض على أنه بدل من ﴿السَّبِيلِ﴾، أو على أن العامل فيه ﴿فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ﴾، وعلى هذين الوجهين فلفظة لا صلة، فعلى الأول منهما. فالمعنى: ﴿فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ﴾ سجودهم للَّه، وعلى هذا فسبيل الحقّ الذي صدّوا عنه هو السجود للَّه، ولا زائدة للتوكيد. وعلى الثاني، فالمعنى: ﴿فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ﴾ لأن يسجدوا للَّه، أي: للسجود له، ولا زائدة أيضًا للتوكيد، ومعلوم في علم العربية أن المصدر المنسبك من فعل، وموصول حرفي إن كان الفعل منفيًّا ذكرت لفظة عدم قبل المصدر، ليؤدى بها معنى النفي الداخل على الفعل، فقولك مثلاً: عجبت من أن لا تقوم، إذا سبكت مصدره لزم أن تقول: عجبت من عدم قيامك، وإذا كان الفعل مثبتًا لم تذكر مع المصدر لفظة عدم، فلو قلت: عجبت من أن تقوم، فإنك تقول في سبك مصدره: عجبت من قيامك؛ كما لا يخفى. وعليه: فالمصدر


الصفحة التالية
Icon