رجل يمرّ بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه فيسلم عليه، إلاّ عرفه وردّ عليه السّلام".
ويروى من حديث أبي هريرة مرفوعًا، قال: "فإن لم يعرفه وسلّم عليه ردّ عليه السلام"، قال: ويروى من حديث عائشة رضي اللَّه عنها، أنّها قالت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "ما من رجل يزور قبر أخيه فيجلس عنده، إلاّ استأنس به حتى يقوم"، واحتجّ الحافظ أبو محمد في هذا الباب بما رواه أبو داود في سننه، من حديث أبي هريرة، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: " ما من أحد يسلّم عليّ إلاّ ردّ اللَّه عليّ روحي حتى أردّ عليه السّلام". ثم ذكر ابن القيّم عن عبد الحق وغيره مرائي وآثارًا في الموضوع، ثم قال في كلامه الطويل: "ويدلّ على هذا أيضًا ما جرى عليه عمل الناس قديمًا وإلى الآن، من تلقين الميت في قبره ولولا أنه يسمع ذلك وينتفع به لم يكن فيه فائدة، وكان عبثًا. وقد سئل عنه الإمام أحمد رحمه اللَّه، فاستحسنه واحتجّ عليه بالعمل.
ويروى فيه حديث ضعيف: ذكر الطبراني في معجمه من حديث أبي أُمامة، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إذا مات أحدكم فسوّيتم عليه التراب، فليقم أحدكم على رأس قبره، فيقول: يا فلان ابن فلانة"، الحديث. وفيه: "اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة ألا إله إلا اللَّه، وأن محمّدًا رسول اللَّه، وأنك رضيت باللَّه ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمّد نبيًّا، وبالقرءان إمامًا"، الحديث. ثم قال ابن القيّم: فهذا الحديث وإن لم يثبت، فاتّصال العمل به في سائر الأمصار والأعصار من غير إنكار كاف في العمل به، وما أجرى اللَّه سبحانه العادة قطّ، بأن أُمة طبقت مشارق الأرض ومغاربها، وهي أكمل الأُمم عقولاً، وأوفرها معارف تطبق على مخاطبة من لا يسمع، وتستحسن ذلك لا ينكره منها منكر بل سنه الأول للآخر، ويقتدي فيه الآخر بالأوّل، فلولا أن الخطاب يسمع لكان ذلك بمنزلة الخطاب للتراب، والخشب والحجر والمعدوم، وهذا وإن استحسنه واحد فالعلماء قاطبة على استقباحه واستهجانه.
وقد روى أبو داود في سننه بإسناد لا بأس به: أن النبيّ ﷺ حضر جنازة رجل، فلمّا دفن قال: "سلوا لأخيكم التثبيت، فإنه الآن يسأل"، فأخبر أنه يسأل حينئذ، وإذا كان يسأل فإنه يسمع التلقين، وقد صحّ عن النبيّ ﷺ أن الميّت يسمع قرع نعالهم إذا ولّوا مدبرين. ثم ذكر ابن القيّم قصة الصعب بن جثامة، وعوف بن مالك، وتنفيذ عوف لوصية الصعب له في المنام بعد موته، وأثنى على عوف بن مالك بالفقه في تنفيذه وصية الصعب بعد موته، لما


الصفحة التالية
Icon