إلى قوله: ﴿وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾.
قد قدّمنا الآيات الموضحة له في سورة "الأعراف"، في الكلام على قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا﴾، وفي سورة "الفرقان" وغير ذلك.
قوله تتعالى: ﴿وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ﴾.
الضمير في قوله: ﴿ذُرِّيَّتِهِ﴾، راجع إلى إبراهيم.
والمعنى: أن الأنبياء والمرسلين الذين أنزلت عليهم الكتب بعد إبراهيم كلهم من ذرية إبراهيم، وما ذكره هنا عن إبراهيم ذكر في سورة "الحديد" : أن نوحًا مشترك معه فيه، وذلك واضح لأن إبراهيم من ذريّة نوح، مع أن بعض الأنبياء من ذرّية نوح دون إبراهيم؛ وذلك في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ﴾.
قوله تعالى: ﴿وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾.
ذكر جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة أنه آتى إبراهيم أجره، أي: جزاء عمله في الدنيا، وإنه في الآخرة أيضًا من الصالحين.
وقال بعض أهل العلم: المراد بأجره في الدنيا: الثناء الحسن عليه في دار الدنيا من جميع أهل الملل على اختلافهم إلى كفار ومؤمنين، والثناء الحسن المذكور هو لسان الصدق، في قوله: ﴿وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً﴾، وقوله: ﴿وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾، لا يخفى أن الصلاح في الدنيا يظهر بالأعمال الحسنة، وسائر الطاعات، وأنه في الآخرة يظهر بالجزاء الحسن، وقد أثنى اللَّه في هذه الآية الكريمة على نبيّه إبراهيم عليه وعلى نبيّنا الصّلاة والسّلام، وقد أثنى على إبراهيم أيضًا في آيات أُخر؛ كقوله تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً﴾، وقوله تعالى: ﴿وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى﴾، وقوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِراً لَأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَآتَيْنَاهُ فِي