أوجه الإعراب في قوله: ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِراً﴾، أنه بدل من قوله قبله ﴿لا يَعْلَمُونَ﴾، فهذا العلم كلا علم لحقارته.
قال الزمخشري في "الكشاف" :"وقوله: ﴿يَعْلَمُونَ﴾ بدل من قوله: ﴿لا يَعْلَمُونَ﴾، وفي هذا الإبدال من النكتة أنه أبدله منه وجعله بحيث يقوم مقامه، ويسد مسدّه ليعلمك أنه لا فرق بين عدم العلم الذي هو الجهل، وبين وجود العلم الذي لا يتجاوز الدنيا.
وقوله: ﴿ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ يفيد أن للدنيا ظاهرًا وباطنًا فظاهرها ما يعرفه الجهال من التمتع بزخارفها، والتنعّم بملاذها، وباطنها وحقيتها أنها مجاز إلى الآخرة، يتزوّد منها إليها بالطاعة والأعمال الصالحة، وفي تنكير الظاهر أنهم لا يعلمون إلا ظاهرًا واحدًا من ظواهرها. و ﴿هُمْ﴾ الثانية يجوز أن يكون مبتدأ، و ﴿غَافِلُونَ﴾ خبره، والجملة خبر ﴿هُمْ﴾ الأولى، وأن يكون تكريرًا للأولى، و ﴿غَافِلُونَ﴾ خبر الأولى، وأية كانت فذكرها مناد على أنهم معدن الغفلة عن الآخرة، ومقرّها، ومحلّها وأنها منهم تنبع وإليهم ترجع، انتهى كلام صاحب "الكشاف".
وقال غيره: وفي تنكير قوله: ﴿ظَاهِراً﴾ تقليل لمعلومهم، وتقليله يقربه من النفي، حتى يطابق المبدل منه، اهـ، ووجهه ظاهر.
واعلم أن المسلمين يجب عليهم تعلّم هذه العلوم الدنيوية، كما أوضحنا ذلك غاية الإيضاع في سورة "مريم"، في الكلام على قوله تعالى: ﴿أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً﴾، وهذه العلوم الدنيوية التي بيّنا حقارتها بالنسبة إلى ما غفل عنه أصحابها الكفار، إذا تعلّمها المسلمون، وكان كل من تعليمها واستعمالها مطابقًا لما أمر اللَّه به على لسان نبيّه صلى الله عليه وسلم، كانت من أشرف العلوم وأنفعها؛ لأنها يستعان بها على إعلاء كلمة اللَّه ومرضاته جلَّ وعلا، وإصلاح الدنيا والآخرة، فلا عيب فيها إذن؛ كما قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾، فالعمل في إعداد المستطاع من القوة امتثالاً لأمر اللَّه تعالى وسعيًا في مرضاته، وإعلاء كلمته ليس من جنس علم الكفار الغافلين عن الآخرة كما ترى، والآيات بمثل ذلك كثيرة، والعلم عند اللَّه تعالى.
قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ