تمليك العبد منافعه، وتمكينه من التصرّف لنفسه، ولا يحصل هذا مع ما يضرّ بالعمل ضررًا بيّنًا، فلا يجزىء الأعمى؛ لأنه لا يمكنه العمل في أكثر الصنائع، ولا المقعد، ولا المقطوع اليدين أو الرجلين؛ لأن اليدين آلة البطش، فلا يمكنه العمل مع فقدهما، والرجلان آلة المشي فلا يتهيأ له كثير من العمل مع تلفهما، والشلل كالقطع في هذا.
قالوا: ولا يجوز المجنون جنونًا مطبقًا؛ لأنه وجد فيه المعنيان: ذهاب منفعة الجنس، وحصول الضرر بالعمل، قاله في "المغني". ثم قال: "وبهذا كلّه قال الشافعي، ومالك، وأبو ثور، وأصحاب الرأي"، انتهى محل الغرض منه.
وبه تعلم إجماع الأئمّة الأربعة على اشتراط السلامة من مثل العيوب المذكورة.
وقال ابن قدامة في "المغني" :"ولا يجزىء مقطوع اليد أو الرجل، ولا أشلّهما، ولا مقطوع إبهام اليد أو سبابتها أو الوسطى؛ لأن نفع اليد يذهب بذهاب هؤلاء، ولا يجزىء مقطوع الخنصر والبنصر من يد واحدة؛ لأن نفع اليدين يزول أكثره بذلك. وإن قطعت كل واحدة من يد جاز؛ لأن نفع الكفّين باق وقطع أنملة الإبهام كقطع جميعها، فإن نفعها يذهب بذلك لكونها أنملتين، وإن كان من غير الإبهام لم يمنع؛ لأن منفعتها لا تذهب، فإنها تصير كالأصابع القصار، حتى لو كانت أصابعه كلها غير الإبهام قد قطعت من كل واحد منها أنملة لم يمنع، وإن قطع من الإصبع إنملتان فهو كقطعها؛ لأنه يذهب بمنفعتها، وهذا جميعه مذهب الشافعي، أي: وأحمد.
وقال أبو حنيفة: يجزىء مقطوع إحدى الرجلين أو إحدى اليدين، ولو قطعت رجله ويده جميعًا من خلاف أجزأت؛ لأن منفعة الجنس باقية، فأجزأت في الكفّارة كالأعور، فأما إن قطعتا من وفاق، أي: من جانب واحد لم يجز؛ لأن منفعة المشي تذهب، ولنا أن هذا يؤثر في العمل، ويضرّ ضررًا بيّنًا، فوجب أن يمنع إجزاءها كما لو قطعتا من وفاق. ويخالف العور، فإنه لا يضرّ ضررًا بيّنًا، والاعتبار بالضرر أَوْلى من الاعتبار بمنفعة الجنس، فإنه لم ذهب شمّه أو قطعت أذناه معًا أجزأ مع ذهاب منفعة الجنس. ولا يجزىء الأعرج إذا كان عرجًا كثيرًا فاحشًا؛ لأنه يضرّ بالعمل، فهو كقطع الرجل، إلى أن قال: ويجزىء الأعور في قولهم جميعًا.
وقال أبو بكر: فيه قول آخر: إنه لا يجزىء؛ لأنه نقص يمنع التضحية والإجزاء في الهدي، فأشبه العمى، والصحيح ما ذكرناه. فإن المقصود تكميل الأحكام وتمليك العبد


الصفحة التالية
Icon