موالاة صيام أيامه من غير فضل بينها، ولا خلاف بينهم في أن من قطع تتابعه لغير عذر، أن عليه استئناف الشهرين من جديد، وهل يفتقر التتابع إلى نيّة؟ فيه لأهل العلم ثلاثة أقوال:
أحدها: لا يفتقر لنيّة؛ لأنه تتابع واجب في العبادة، فلم يفتقر لنيّة تخصّه، كالمتابعة بين ركعات الصلاة.
والثاني: يفتقر لنيّة التتابع وتجدّد النية كل ليلة؛ لأن ضمّ العبادة إلى عبادة أخرى إذا كان شرطًا وجبت فيه النيّة، كالجمع بين الصلاتين.
والثالث: تكفي نيّة التتابع في الليلة الأولى عن تجديد النيّة كل ليلة، وهذا أقربها؛ لأنّا لا نسلم أن صوم كل يوم عبادة مستقلّة، بل الأظهر أن صوم الشهرين جميعًا عبادة واحدة؛ لأنه كفارة واحدة، فإذا نوى هذا الصوم أوّل ليلة فاللازم أن ينويه على وجهه المنصوص في الكتاب والسنّة وهو شهران متتابعان، وهذا يكفيه عن تجديد النيّة كل ليلة، وهذا ظاهر مذهب مالك. ومذهب أحمد عدم الاحتياج إلى نية التتابع مطلقًا. وللشافعية وجهان، أحدهما: أحمد، والثاني: يفتقر إلى النية كل ليلة.
الفرع الثامن : اختلف أهل العلم فيما إذا كان قطع تتابع الصوم لعذر كمرض ونحوه، فقال بعض أهل العلم: إن كان قطع التتابع لعذر، فإنه لا يقطع حكم التتابع، وله أن يبني على ما صام قبل حصول العذر، وهذا مذهب أحمد.
قال في "المغني" :"وروي ذلك عن ابن عباس، وبه قال ابن المسيّب، والحسن، وعطاء، والشعبي، وطاوس، ومجاهد، ومالك، وإسحاق، وأبو عبيد، وأبو ثور، وابن المنذر، والشافعي في القديم. وقال في الجديد: ينقطع التتابع، وهذا قول سعيد بن جبير، والنخعي، والحكم، والثوري. وأصحاب الرأي قالوا: لأنه أفطر بفعله فلزمه الاستئناف".
قال مقيّده -عفا اللَّه عنه وغفر له- : الأظهر عندي في هذا الفرع أن قطع تتابع صوم كفارة الظهار بلإفطار في أثناء الشهرين إن كان لسبب لا قدرة له على التحرّز عنه، كالمرض الشديد الذي لا يقدر معه على الصوم أنه يعذر في ذلك ولا ينقطع حكم التتابع؛ لأنه لا قدرة له على التحرّز عن ذلك، واللَّه جلَّ وعلا يقول: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا﴾، ويقول: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾، والنبيّ ﷺ يقول: "إذا أمرتكم بشىء فأْتوا منه ما استطعتم"، وإن كان يمكنه التحرّز عن الإفطار الذي قطع به


الصفحة التالية
Icon