واحتجّ من قال بأن عليها كفارة ظهار، وهو رواية عن أحمد: بأنها قالت منكرًا من القول وزورًا، فلزمها أن تكفّر عنه كالرجل، وبما روى الأثرم بإسناده عن إبراهيم، عن عائشة بنت طلحة، قالت: "إن تزوجت مصعب بن الزبير فهو عليّ كظهر أبي"، فسألت أهل المدينة، فرأوا أن عليها الكفارة. وبما روى علي بن مسهر عن الشيباني، قال: "كنت جالسًا في المسجد، أنا وعبد اللَّه بن معقل المزني، فجاء رجل حتى جلس إلينا، فسألته: من أنت؟ فقال: أنا مولى عائشة بنت طلحة التي أعتقتني عن ظهارها، خطبها مصعب بن الزبير، فقالت: هو عليّ كظهر أبي إن تزوّجته، ثم رغبت فيه، فاستفتت أصحاب رسول اللَّه ﷺ -وهم يومئذ كثير- فأمروها أن تعتق رقبة، وتتزوّجه، فأعتقتني، وتزوجته". وروى سعيد هذين الأثرين مختصرين، اهـ من "المغني". وانظر إسناد الأثرين المذكورين.
وأمّا الذين قالوا: تلزمها كفارة يمين، وهو قول عطاء، فقد احتجّوا بأنها حرمت على نفسها زوجها وهو حلال لها، فلزمتها كفارة اليمين اللازمة في تحريم الحلال، المذكورة في قوله تعالى: ﴿قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ﴾، بعد قوله: ﴿النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ﴾. وأمّا الذين قالوا: لا شىء عليها، ومنهم الشافعي، ومالك، وإسحاق، وأبو ثور وغيرهم، فقد احتجّوا بأنها قالت: ﴿مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً﴾، فلم يوجب عليها كفارة، كالسبّ والقذف ونحوهما من الأقوال المحرمة الكاذبة.
وأظهر أقوالهم عندنا: أن من يرى في تحريم الحلال كفارة يمين يلزمها على قوله كفارة يمين، ومن يرى أنه لا شىء فيه، فلا شىء عليها على قوله، وقد قدّمنا أقوال أهل العلم في تحريم الحلال في الحجّ، وفي هذا المبحث، اهـ.
واعلم أن الذين قالوا: تجب عليها كفارة الظهار، قالوا: لا تجب عليها حتى يجامعها وهي مطاوعة له، فإن طلّقها أو مات أحدهما قبل الوطء، أو أكرهها على الوطء فلا كفّارة عليها؛ لأنها يمين، فلا تجب كفارتها قبل الحنث، كسائر الأيمان، وعليها تمكين زوجها من وطئها قبل التكفير؛ لأنه حقّ له عليها، فلا يسقط بيمينها، ولأنه ليس بظهار، انتهى من "المغني"، وهو ظاهر. ولنكتفِ بما ذكرنا من الأحكام المتعلقة بهذه الآية الكريمة، ومن أراد استقصاء ذلك فهو في كتب فروع المذاهب.


الصفحة التالية
Icon