قوله تعالى: ﴿وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾.
قال ابن كثير: "أي في الحرمة والاحترام والتوقير والإكرام والإعظام، ولكن لا يجوز الخلوة بهنّ، ولا ينتشر التحريم إلى بناتهن وأخواتهن بالإجماع"، اهـ. محل الغرض منه. وما ذكر من أن المراد بكون أزواجه ﷺ أُمّهات المؤمنين هو حرمتهن عليهم، كحرمة الأُم، واحترامهم لهن، كاحترام الأُم إلخ. واضح لا إشكال فيه. ويدلّ له قوله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ ؛ لأن الإنسان لا يسأل أُمّه الحقيقية من وراء حجاب. وقوله تعالى: ﴿إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ﴾، ومعلوم أنهن رضي اللَّه عنهن، لم يلدن جميع المؤمنين الذين هن أمهاتهم، ويفهم من قوله تعالى: ﴿وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾، أنه هو ﷺ أب لهم. وقد روي عن أُبيّ بن كعب، وابن عباس، أنّهما قرءا: ﴿وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾ وهو أب لهم، وهذه الأبوّة أبوّة دينية، وهو ﷺ أرأف بأُمّته من الوالد الشفيق بأولاده، وقد قال جلَّ وعلا في رأفته ورحمته بهم: ﴿عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾، وليست الأبوّة أبوّة نسب؛ كما بيّنه تعالى بقوله: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ﴾، ويدلّ لذلك أيضًا حديث أبي هريرة عند أبي داود والنسائي وابن ماجه: أن النبيّ ﷺ قال: "إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم، فإذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ولا يستطب بيمينه"، وكان يأمر بثلاثة أحجار وينهى عن الروث والرمة، فقوله ﷺ في هذا الحديث: "إنما أنا لكم بمنزلة الوالد"، يبيّن معنى أبوّته المذكورة، كما لا يخفى.
مسألة
اعلم أن أهل العلم اختلفوا هل يقال لبنات أزواج النبيّ ﷺ أخوات المؤمنين، أو لا؟ وهل يقال لإخوانهن كمعوية، وعبد اللَّه بن أبي أُميّة أخوال المؤمنين، أو لا؟ وهل يقال لهنّ: أُمّهات المؤمنات؟ قال ابن كثير رحمه اللَّه في تفسير هذه الآية: "ولا ينتشر التحريم إلى بناتهن، وأخواتهن بالإجماع، وإن سمّى بعض العلماء بناتهن أخوات المسلمين، كما هو منصوص الشافعي رضي اللَّه عنه في المختصر، وهو من باب إطلاق العبارة لا إثبات الحكم، وهل يقال لمعوية وأمثاله خال المؤمنين؟ فيه قولان للعلماء رضي اللَّه عنهم. ونصّ الشافعي رضي اللَّه عنه، على أنه لا يقال ذلك. وهل يقال لهن: أُمّهات المؤمنات؟


الصفحة التالية
Icon