وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾، وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾، إلى غير ذلك من الآيات.
واعلم أن قول من قال من أهل العلم: إن معنى قوله تعالى في هذه الآية الكريمة: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالاً﴾، أن المراد بذلك الأغلال التي يعذّبون بها في الآخرة؛ كقوله تعالى: ﴿إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ* فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ﴾، خلاف التحقيق، بل المراد بجعل الأغلال في أعناقهم، وما ذكر معه في الآية هو صرفهم عن الإيمان والهدى في دار الدنيا؛ كما أوضحنا. وقرأ هذا الحرف: حمزة، والكسائي، وحفص، عن عاصم: ﴿سَدّا﴾، بالفتح في الموضعين، وقرأه الباقون بضمّ السين، ومعناهما واحد على الصواب، والعلم عند اللَّه تعالى.
قوله تعلى: ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ﴾.
تقدّم إيضاحه مع نظائره من الآيات في سورة "فاطر"، في الكلام على قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ﴾.
قوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾.
ذكر جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة أربعة أشياء:
الأول : أنه يحيي الموتى، مؤكّدًا ذلك متكلّمًا عن نفسه بصيغة التعظيم.
الثاني : أنه يكتب ما قدّموا في دار الدنيا.
الثالث : أنه يكتب آثارهم.
الرابع : أنه أحصى كل شىء ﴿فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾، أي: في كتاب بيّن واضح، وهذه الأشياء الأربعة جاءت موضحة في غير هذا الموضع.
أمّا الأوّل منها وهو كونه يحيي الموتى بالبعث، فقد جاء في آيات كثيرة من كتاب اللَّه تعالى، كقوله تعالى: ﴿قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ﴾، وقوله تعالى: ﴿قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً﴾، والآيات بمثل ذلك كثيرة.