قد قدّمنا أن إحياء الأرض المذكور في هذه الآية، برهان قاطع على البعث في سورة "البقرة"، في الكلام على قوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ﴾. وفي سورة "النحل"، في الكلام على قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ﴾، وفي غير ذلك من المواضع. وأوضحنا في المواضع المذكورة، بقية براهين البعث بعد الموت.
قوله تعالى: ﴿وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ﴾.
قد قدّمنا الآيات الموضحة له في سورة "النحل"، في الكلام على قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً﴾.
قوله تعالى: ﴿وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ﴾.
ذمَّ جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة الكفار بإعراضهم عن آيات اللَّه.
وهذا المعنى الذي تضمّنته هذه الآية، جاء في آيات أُخر من كتاب اللَّه؛ كقوله تعالى في أوّل سورة "الأنعام" :﴿وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ * فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ﴾، وقوله تعالى في آخر "يوسف" :﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ﴾، وقوله تعالى: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ * وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ﴾، وأصل الإعراض مشتقّ من العرض بالضم، وهو الجانب؛ لأن المعرض عن الشىء يوليه بجانب عنقه صادًّا عنه.
قوله تعالى: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ﴾.
ذكر جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة النفخة الأخيرة، والصُّور قرن من نور ينفخ فيه الملك نفخة البعث، وهي النفخة الأخيرة، وإذا نفخها قام جميع أهل القبور من قبورهم، أحياء إلى الحساب والجزاء.
وقوله: ﴿فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ﴾، جمع جدث بفتحتين، وهو القبر،