وقوله: ﴿يَنسِلُونَ﴾، أي: يسرعون في المشي من القبور إلى المحشر؛ كما قال تعالى: ﴿يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ﴾، وقال تعالى: ﴿يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً﴾، وكقوله تعالى: ﴿يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ * مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ﴾، وقوله: ﴿مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ﴾، أي: مسرعين مادّي أعناقهم على أشهر التفسيرين، ومن إطلاق نسل بمعنى أسرع، قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ﴾، وقول لبيد:
عسلان الذئب أمسى قاربًا | برد الليل عليه فنسل |
وما تضمّنته هذه الآية الكريمة، من أن أهل القبور يقومون أحياء عند النفخة الثانية، جاء موضحًا في آيات كثيرة من كتاب اللَّه تعالى؛ كقوله تعالى:
﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ﴾، وقوله تعالى:
﴿إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ﴾، وهذه الصيحة هي النفخة الثانية؛ كقوله تعالى:
﴿يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ﴾، أي: الخروج من القبور. وقوله تعالى:
﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ﴾، والزجرة: هي النفخة الثانية. والساهرة: وجه الأرض والفلاة الواسعة، ومنه قول أبي كبير الهذلي:
يرتدن ساهرة كأن جميمها | وعميمها أسداف ليل مظلم |
وقول الأشعث بن قيس:وساهرة يضحي السراب مجلّلا | لأقطارها قد حببتها متلثّما |
وكقوله تعالى:
﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ﴾، وقوله تعالى:
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ﴾، وهذه الدعوة بالنفخة الثانية. وقوله تعالى:
﴿يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ﴾، إلى غير ذلك من الآيات.