صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ}، وذكرنا طرفاً من ذلك، في أول سورة سبأ، في الكلام على قوله تعالى: ﴿الِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ﴾.
قوله تعالى: ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ﴾.
الإنذار، والإعلام المقترن بتهديد خاصة، فكل إنذار إعلام، وليس كل إعلام إنذاراً.
وقد أوضحنا معنى الإنذار وأنواعه في أول سورة الأعراف في الكلام على قوله تعالى: ﴿كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ﴾.
والظاهر أن قوله هنا: ﴿يَوْمَ الْآزِفَةِ﴾ هو المفعول الثاني للإنذار، لا ظرف له لأن الإنذار والتخويف من يوم القيامة، واقع في دار الدنيا. و ﴿الْآزِفَةِ﴾ القيامة. أي: أنذرهم يوم القيامة، بمعنى خوفهم إياه وهددهم بما فيه من الأهوال العظام ليستعدوا لذلك في الدنيا بالإيمان والطاعة.
وإنما عبر عن القيامة بالآزفة لأجل أزوفها أي قربها، والعرب تقول: أزِف الترحل بكسر الزاي، يأزَف بفتحها، أزفاً بفتحتين، على القياس، وأزوفا فهو آزف، على غير قياس، في المصدر الأخير، والوصف بمعنى: قرب وقته وحان وقوعه، ومنه قول نابغة ذبيان:
أزف الترحل غير أن ركابنا | لما تزل برحالنا وكأن قد |
والمعنى: ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ﴾ أي: يوم القيامة القريب مجيؤها ووقوعها.
وما تضمنته هذه الآية الكريمة، من اقتراب قيام الساعة، جاء موضحاً في آيات أخر كقوله تعالى: ﴿أَزِفَتِ الْآزِفَةُ * لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ﴾، وقوله تعالى: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ﴾. وقوله تعالى: ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ﴾. وقوله تعالى في الأحزاب: ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً﴾ وقوله تعالى في الشورى: ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ﴾.