ما كان، وقوله تعالى: ﴿فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى﴾، فقوله: ﴿أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا﴾، أي: تذهب عن علم حقيقة المشهود به بدليل قوله بعده: ﴿فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى﴾، وقوله تعالى عن أولاد يعقوب: ﴿إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾، وقوله: ﴿قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ﴾، على التحقيق في ذلك كلّه. ومن هذا المعنى قول الشاعر:

وتظنّ سلمى أنني أبغي بها بدلاً أراها في الضلال تهيم
والإطلاق الثاني : وهو المشهور في اللغة، وفي القرءان هو إطلاق الضلال على الذهاب عن طريق الإيمان إلى الكفر، وعن طريق الحقّ إلى الباطل، وعن طريق الجنّة إلى النار، ومنه قوله تعالى: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾.
والإطلاق الثالث : هو إطلاق الضلال على الغيبوبة والاضمحلال، تقول العرب: ضلّ الشىء إذا غاب واضمحلّ، ومنه قولهم: ضلّ السمن في الطعام، إذا غاب فيه واضمحلّ، ولأجل هذا سمّت العرب الدفن في القبر إضلالاً؛ لأن المدفون تأكله الأرض فيغيب فيها ويضمحلّ.
ومن هذا المعنى قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ﴾، يعنون: إذا دفنوا وأكلتهم الأرض، فضلوا فيها، أي: غابوا فيها واضمحلّوا.
ومن إطلاقهم الإضلال على الدفن، قول نابغة ذبيان يرثي النعمان بن الحارثبن أبي شمر الغساني:
فإن تحيي لا أملك حياتي وأن تمت فما في حياة بعد موتك طائل
فآب مضلّوه بعين جلية وغودر بالجولان حزم ونائل
وقول المخبل السعدي يرثي قيس بن عاصم:
أضلّت بنو قيس بن سعد عميدها وفارسها في الدهر قيس بن عاصم
فقول الذبياني: فآب مضلّوه، يعني: فرجع دافنوه، وقول السعدي: أضلّت، أي: دفنت، ومن إطلاق الضلال أيضًا على الغيبة والاضمحلال قول الأخطل:


الصفحة التالية
Icon