على قلبه ﷺ بالآيات القرءانية في سورة "البقرة"، في الكلام على قوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾.
قوله تعالى: ﴿وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ * فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ﴾.
قد قدَّمنا هذه الآية الكريمة، مع ما يوضحها من الآيات في "النحل"، في الكلام على قوله تعالى: ﴿ِلسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ﴾.
واعلم أن كل صوت غير عربيّ تسميه العرب أعجم، ولو من غير عاقل، ومنه قول حميد بن ثور يذكر صوت حمامة:
فلم أرَ مثلي شاقه صوت مثلها ولا عربيًّا شاقه صوت أعجما
قوله تعال: ﴿كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ * لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾.
قوله: ﴿سَلَكْنَاهُ﴾، أي: أدخلناه، كما قدّمنا إيضاحه بالآيات القرءانيّة والشواهد العربية في سورة "هود"، في الكلام على قوله تعالى :﴿قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ﴾، والضمير في ﴿سَلَكْنَاهُ﴾، قيل: للقرءان، وهو الأظهر. وقيل: للتكذيب والكفر، المذكور في قوله: ﴿مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ﴾، وهؤلاء الكفار الذين ذكر اللَّه جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة أنهم لا يؤمنون حتى يروا العذاب الأليم، هم الذين حقت عليهم كلمة العذاب، وسبق في علم اللَّه أنهم أشقياء؛ كما يدلّ لذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾، وقد أوضحنا شدّة تعنّت هؤلاء، وأنهم لا يؤمنون بالآيات في سورة "الفرقان"، وفي سورة "بني إسرائيل" وغيرهما. وقوله: ﴿كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ﴾ نعت لمصدر محذوف، أي: كذلك السلك، أي: الإدخال، ﴿سَلَكْنَاهُ﴾، أي: أدخلناه في قلوب المجرمين، وإيضاحه على أنه القرءان: أن اللَّه أنزله على رجل عربي فصيح بلسان عربي مبين، فسمعوه وفهموه لأنه بلغتهم، ودخلت معانيه في قلوبهم، ولكنهم لم يؤمنوا به؛ لأن كلمة العذاب حقّت عليهم، وعلى أن الضمير في ﴿سَلَكْنَاهُ﴾ للكفر والتكذيب، فقوله عنهم: ﴿مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ﴾، يدلّ على إدخال الكفر والتكذيب في قلوبهم، أي: كذلك السلك سكناه، الخ.


الصفحة التالية
Icon