وقد قدمنا في سورة الأنبياء في الكلام على قوله تعالى: ﴿فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ [الأنبياء: ٨٧] أن قدر بفتح الدال مخففا يقدر ويقدر بالكسر والضم كيضرب وينصر قدرا بمعنى قدر تقديرا، وأن ثعلبا أنشد لذلك قول الشاعر:

فليست عشيات الحمى برواجع لنا أبدا ما أروق السلم النضر
ولا عائد ذاك الزمان الذي مضى تباركت ما تقدر يقع ولك الشكر
وبينا هناك، أن ذلك هو معنى ليلة القدر، لأن الله يقدر فيها وقائع السنة.
وبينا أن ذلك هو معنى قوله تعالى: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ وأوضحنا هناك أن القدر بفتح الدال والقدر بسكونها هما ما يقدره الله من قضائه: ومنه قول هدبة بن الخشرم:
ألا يا لقومي للنوائب والقدر وللأمر يأتي المرء من حيث لا يدري
واعلم أن قول من قال: إنما سميت ليلة القدر لعظمها وشرفها على غيرها من الليالي من قولهم: فلان ذو قدر أي ذو شرف ومكانة رفيعة لا ينافي القول الأول لاتصافها بالأمرين معا، وصحة وصفها بكل منهما كما أوضحنا مثله مرارا.
واختلف العلماء في إعراب قوله: ﴿أَمْراً مِنْ عِنْدِنَا﴾، قال بعضهم: هو مصدر منكر في موضع الحال، أي أنزلناه في حال كوننا آمرين به.
وممن قال بهذا الأخفش.
وقال بعضهم: هو ما ناب عن المطلق من قوله: ﴿أَنْزَلْنَاهُ﴾ وجعل ﴿أَمْراً﴾ بمعنى: إنزالا.
وممن قال به المبرد.
وقال بعضهم هو ما ناب عن المطلق من ﴿يُفْرَقُ﴾، فجعل ﴿أَمْراً﴾ بمعنى فرقا أو فرق بمعنى أمرا.
وممن قال بهذا الفراء والزجاج.
وقال بعضهم هو حال من أمر أي: يفرق فيها بين كل أمر حكيم، في حال


الصفحة التالية
Icon