تَقْوِيمٍ} إلى قوله: ﴿فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ﴾ [التين: ١-٧]، يعني أي شيء يحملك على التكذيب بالدين أي بالبعث والجزاء، وقد علمت أني خلقتك الخلق الأول في أحسن تقويم، وأنت تعلم أنه لا يخفي على عاقل أن من ابتدع الإيجاد الأول لا شك في قدرته، على إعادته مرة أخرى إلى غير ذلك من الآيات.
وأما البرهان الثالث منها: وهو إحياء الأرض بعد موتها المذكور في قوله تعالى في سورة الجاثية هذه: ﴿وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ [الجاثية: ٥]، فإنه يكثر الاستدلال به أيضا على البعث في القرآن العظيم، لأن من أحيا الأرض بعد موتها قادر على أحياء الناس بعد موتهم، لأن الجميع أحياء بعد موت.
فمن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [فصلت: ٣٩]، وقوله تعالى: ﴿وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾ [الحج: ٥-٧]، وقوله تعالى: ﴿فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الروم: ٥٠]، وقوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [الأعراف: ٥٧].
فقوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى﴾ أي نبعثهم من قبورهم أحياء كما أخرجنا تلك الثمرات بعد عدمها، وأحيينا بإخراجها ذلك البلد الميت، وقوله تعالى: ﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ﴾ [الروم: ١٩]، يعني تخرجون من قبوركم أحياء بعد الموت، وقوله تعالى: ﴿وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ﴾ [قّ: ١١]، إلى غير ذلك من الآيات.
قوله تعالى: ﴿تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ﴾.
أشار جل وعلا لنبيه ﷺ إلى آيات هذا القرآن العظيم، وبين لنبيه أنه يتلوها عليه، متلبسة بالحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه.