وقد بين تعالى في قد أفلح المؤمنون أن الحق لو اتبع أهواءهم لفسد العالم وذلك في قوله تعالى: ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ﴾ [المؤمنون: ٧١].
والأهواء: جمع هوى بفتحتين وأصله مصدر، والهمزة فيه مبدلة من ياء كما هو معلوم.
قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أوليَاءُ بَعْضٍ﴾.
قد قدمنا في هذا الكتاب المبارك مرارا أن الظلم في لغة العرب أصله وضع الشيء في غير موضعه.
وأن أعظم أنواعه الشرك بالله لأن وضع العبادة في غير من خلق ورزق هو أشنع أنواع وضع الشيء في غير موضعه.
ولذا كثر في القرآن العظيم، إطلاق الظلم بمعنى الشرك، كقوله تعالى: ﴿وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [البقرة: ٢٥٤]، وقوله تعالى: ﴿وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [يونس: ١٠٦]، وقوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً﴾ [الفرقان: ٢٧]، وقوله تعالى في لقمان: ﴿يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: ١٣]، وقد ثبت في صحيح البخاري أن النبي ﷺ فسر قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾ [الأنعام: ٨٢]، بأن معناه: "ولم يلبسوا إيمانهم بشرك".
وما تضمنته آية الجاثية هذه من أن ﴿الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أوليَاءُ بَعْضٍ﴾ جاء مذكورا في غير هذا الموضع كقوله تعالى في آخر الأنفال: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أوليَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾ [الأنفال: ٧٣]، وقوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [الأنعام: ١٢٩]، وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أوليَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ﴾ [البقرة: ٢٥٧]، وقوله تعالى: ﴿إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أوليَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [الأعراف: ٣٠]، وقوله تعالى: ﴿فَقَاتِلُوا أوليَاءَ الشَّيْطَانِ﴾ [النساء: ٧٦]، وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أوليَاءَهُ﴾ [آل عمران: ١٧٥].