سورة هود: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ [هود: ٧].
فلام التعليل في قوله: ليبلوكم متعلقة بقوله: ﴿خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ﴾ وبه تعلم أنه ما خلقهما إلا خلقا متلبسا بالحق.
ونظير ذلك قوله تعالى في أول الكهف: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ [الكهف: ٧]، وقوله تعالى في أول الملك: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ [الملك: ٢].
ومما يوضح أنه ما خلق السماوات والأرض إلا خلقا متلبسا بالحق، قوله تعالى في آخر الذاريات: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون، مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ﴾ [الذريات: ٥٦-٥٧].
سواء قلنا: إن معنى ﴿إِلَّا لِيَعْبُدُون﴾ أي لآمرهم بعبادتي فيعبدني السعداء منهم، لأن عبادتهم يحصل بها تعظيم الله وطاعته، والخضوع له كما قال تعالى: ﴿فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ﴾ [الأنعام: ٨٩]، وقال تعالى: ﴿فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ﴾ [فصلت: ٣٨]،
أو قلنا: إن معنى ﴿إِلَّا لِيَعْبُدُون﴾ أي إلا ليقروا لي بالعبودية، ويخضعوا ويذعنوا لعظمتي، لأن المؤمنين يفعلون ذلك طوعا، والكفار يذعنون لقهره وسلطانه تعالى كرها.
ومعلوم أن حكمة الابتلاء والتكليف لا تتم إلا بالجزاء على الأعمال.
وقد بين تعالى أن من الحق الذي خلق السماوات والأرض خلقا متلبسا به، جزاء الناس بأعمالهم، كقوله تعالى في النجم: ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾ [النجم: ٣١].
فقوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ أي هو خالقها ومن فيهما ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا﴾.
ويوضح ذلك قوله تعالى في يونس: {إِنَّهُ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا