ومن المعلوم ما تلاقيه الحامل، من المشقة والضعف، إذا أثقلت وكبر الجنين في بطنها.
ومعنى ﴿وَضَعَتْهُ كُرْهاً﴾ : أنها في حالة وضع الولد، تلاقي من ألم الطلق، وكربه مشقة شديدة، كما هو معلوم.
وهذه المشاق العظيمة التي تلاقيها الأم في حمل الولد ووضعه، لا شك أنها يعظم حقها بها، ويتحتم برها، والإحسان إليها كما لا يخفي.
وما دلت عليه هذه الآية الكريمة من المشقة التي تعانيها الحامل، ودلت عليه آية أخرى، وهي قوله تعالى في لقمان: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ﴾ [لقمان: ١٤]، أي تهن به وهنا على وهن أي ضعفا على ضعف، لأن الحمل كلما تزايد وعظم في بطنها، ازدادت ضعفا على ضعف.
وقوله في آية الأحقاف هذه كرها في الموضعين مصدر منكر وهو حال أي حملته ذات كره ووضعته ذات كره، وإتيان المصدر المنكر حالا كثير كما أشار له في الخلاصة بقوله:

ومصدر منكر حالا يقع بكثرة كبغتة زيد طلع
وقال بعضهم: ﴿كُرْهاً﴾ في الموضعين نعت لمصدر، أي حملته حملا ذا كره، ووضعته وضعا ذا كره، والعلم عند الله تعالى.
قوله تعالى: ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً﴾.
هذه الآية الكريمة، ليس فيها بانفرادها تعرض لبيان أقل مدة الحمل، ولكنها بضميمة بعض الآيات الآخرى إليها يعلم أقل أمد الحمل، لأن هذه الآية الكريمة، من سورة الأحقاف، صرحت بأن أمد الحمل والفصال معا، ثلاثون شهرا.
وقوله تعالى في لقمان: ﴿وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ﴾، وقوله في البقرة: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أولادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ﴾ [البقرة: ٢٣٣]، يبين أن أمد الفصال عامان وهما أربعة وعشرون شهرا، فإذا طرحتها من الثلاثين بقيت ستة أشهر، فتعين كونها أمدا للحمل، وهي أقله، ولا خلاف في ذلك بين العلماء.


الصفحة التالية
Icon