بتلك الصفات حقيقة لا مجازا، لأنا نعتقد اعتقادا جازما لا يتطرق إليه شك، أن ظواهر آيات الصفات وأحاديثها، لا تدل البتة إلا على التنزيه عن مشابهة الخلق واتصافه تعالى بالكمال والجلال.
وإثبات التنزيه والكمال والجلال لله حقيقة لا مجازا لا ينكره مسلم.
ومما يدعو إلى التصريح بلفظ الحقيقة، ونفي المجاز، كثرة الجاهلين الزاعمين أن تلك الصفات لا حقائق لها، وأنها كلها مجازات.
وجعلوا ذلك طريقا إلى نفيها، لأن المجاز يجوز نفيه، والحقيقة لا يجوز نفيها.
فقالوا مثلا: اليد مجاز يراد به القدرة والنعمة أو الجود، فنفوا صفة اليد، لأنها مجاز.
وقالوا: ﴿عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ مجاز فنفوا الاستواء، لأنه مجاز.
وقالوا: معنى ﴿اسْتَوَى﴾ : استولى، وشبهوا استيلاءه باستيلاء بشر بن مروان على العراق.
ولو تدبروا كتاب الله، لمنعهم ذلك من تبديل الاستواء بالاستيلاء، وتبديل اليد بالقدرة، أو النعمة، لأن الله جل وعلا يقول في محكم كتابه في سورة البقرة: ﴿فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ [البقرة: ٥٩]، ويقول في الأعراف: ﴿فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ﴾ [الأعراف: ١٦٢]، فالقول الذي قاله الله لهم، هو قوله: ﴿حِطَّةٌ﴾، وهي فعلة من الحط بمعنى الوضع خبر مبتدأ محذوف أي دعاؤنا ومسألتنا لك حطة لذنوبنا أي حط ووضع لها عنا فهي بمعنى طلب المغفرة، وفي بعض روايات الحديث في شأنهم أنهم بدلوا هذا القول بأن زادوا نونا فقط فقالوا حنطة وهي القمح.
وأهل التأويل قيل لهم: ﴿عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾. فزادوا لا ما فقالوا استولى.
ـــــــ
(١) القول: حقيقة لا مجازا، هذا يقضي إلى اليد حقيقة والساق حقيقة والعين حقيقة. أما المجاز فهي معاني تصرف إليها الحقيقة المؤدية إلى التجسيم إلى معاني تحافظ على التنزيه.


الصفحة التالية
Icon