وأما استدلالهم بأن عمرو بن العاص قال لعمر لما احتلم: خذ ثوبا غير ثوبك، فقال لو فعلت صارت سنة، فهو ظاهر السقوط أيضا؛ لأن عمر بن الخطاب خاف أن يفعل شيئا فيعتقد من لا علم عنده أنه إنما فعله لكونه سنة، فامتنع من فعله لأجل هذا المحذور.
مع أن المقلد يرى منع تقليد عمر رضي الله عنه.
وأما استدلالهم بما ذكروه عن أبي وغيره أنه قال: ما استبان لك فاعمل به، وما اشتبه عليك فكله إلى عالمه، فهو حجة عليهم أيضا لا لهم.
لأن قوله: ما استبان لك فاعمل به، صريح في أن ما استبان من كتاب الله وسنة رسوله، يجب العمل به ولا يجوز العدول عنه لقول أحد.
وهذا نقيض ما عليه المقلدون، فهم دائما يستدلون على مذهبهم بما يناقضه.
والأظهر أن مراد أبي بن كعب بقوله: فكله إلى عالمه، أي فكل علمه إلى الله.
فمراده بما اشتبه المتشابه، ومراده بعالمه: الله.
فهو يشير إلى قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾ [آل عمران: ٧].
فالذين قالوا: ﴿آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾، فقد وكلوا ما اشتبه عليهم إلى عالمه وهو الله.
ويحتمل أن يكون مراد أبي بقوله: فكله إلى عالمه أي فكله إلى من هو أعلم به منك من العلماء، وهذا هو الذي فهمه ابن القيم في إعلام الموقعين من كلام أبي.
وعلى هذا الاحتمال فلا حجة فيه أيضا للمقلدين لأن من خفي عليه شيء من العلم فوكله إلى من هو أعلم به منه، فقد أصاب.
ولا يلزم من ذلك الإعراض عن كتاب الله وسنة رسوله بل هو عمل بالقرآن؛ لقوله تعالى: ﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [الإسراء: ٣٦].


الصفحة التالية
Icon