تعالى: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾ [الشورى: ١٠] وفي مواضع عديدة من هذا الكتاب المبارك.
وبينا في سورة شورى أيضا شدة كراهة الكفار لما نزل الله، وبينا ذلك بالآيات القرآنية في الكلام على قوله تعالى: ﴿كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ﴾ [الشورى: ١٣].
وقد قدمنا مرارا أن العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ﴾ قرأه نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وشعبة عن عاصم "أَسْرَارَهُمْ" بفتح الهمزة جمع سر.
وقرأه حمزة والكسائي وحفص عن عاصم ﴿إِسْرَارَهُمْ﴾ بكسر الهمزة مصدر أسر كقوله: ﴿وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً﴾ [نوح: ٩]، وقد قالوا لهم ذلك سرا فأفشاه الله العالم بكل ما يسرون وما يعلنون.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: ﴿فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ﴾ أي: فكيف يكون حال هؤلاء إذا توفتهم الملائكة؟ أي قبض ملك الموت وأعوانه أرواحهم في حال كونهم ضاربين وجوههم وأدبارهم.
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من كون الملائكة، يتوفون الكفار وهم يضربون وجوههم وأدبارهم جاء موضحا في مواضع أخر من كتاب الله كقوله تعالى في الأنفال: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ﴾ [الأنفال: ٥٠] وقوله في الأنعام: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ﴾ [الأنعام: ٩٣].
فقوله: ﴿بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ﴾ أي بالضرب المذكور.
والإشارة في قوله: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ﴾ راجعة إلى المصدر الكامن في الفعل الصناعي أعني قوله: ﴿يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ﴾، أي ذلك بضرب وقت الموت واقع بسبب ﴿بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ﴾ أي أغضبه من الكفر به، وطاعة الكفار الكارهين لما نزله.
والإسخاط استجلاب السخط، وهو الغضب هنا.


الصفحة التالية
Icon