يَسْتَكْبِرُونَ يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ} [النحل: ٤٩-٥٠].
فهم لشدة خوفهم من الله، وإجلالهم له بسبحون بحمد ربهم، ويخافون على أهل الأرض، ولذا يستغفرون لهم خوفا عليهم من سخط الله، وعقابه، ويستأنس لهذا الوجه بقوله تعالى: ﴿إِنا عَرَضْنا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ إلى قوله: ﴿وَأَشْفَقْنَ مِنْها﴾ [الأحزاب: ٧٢]، لأن الإشفاق الخوف.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: ﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ﴾ يعني لخصوص الذين آمنوا منهم وتابوا إلى الله واتبعوا سبيله، كما أوضحه تعالى بقوله: ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ [غافر: ٧].
فقوله: ﴿لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ يوضح المراد من قوله: ﴿لِمَنْ فِي الْأَرْضِ﴾.
ويزيد ذلك إيضاحا قوله تعالى عنهم إنهم يقولون في استغفارهم للمؤمنين: ﴿فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ﴾ [غافر: ٧]، لأن ذلك يدل دلالة واضحة على عدم استغفارهم للكفار.
الوجه الثاني: أن المعنى ﴿تَكَادُ السَّماوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ﴾ من شدة عظم الفرية التي افتراها الكفار على خالق السماوات والأرض جل وعلا، من كونه اتخذ ولدا، سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا، وهذا الوجه جاء موضحا في سورة مريم، في قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً تَكَادُ السَّماوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً﴾ [مريم: ٨٨-٩٣]، كما قدمنا إيضاحه.
وغاية ما في هذا الوجه أن آية شورى هذه فيها إجمال في سبب تفطر السماوات، وقد جاء ذلك موضحا في آية مريم المذكورة. وكلا الوجهين حق.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: ﴿يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ﴾ فيه للعلماء أوجه.
قيل: ﴿يَتَفَطَّرْنَ﴾، أي السماوات ﴿ مِنْ فَوْقِهِنَّ﴾ أي الأرضين، ولا يخفي بعد هذا القول كما ترى.


الصفحة التالية
Icon