فإن التجاء العبد إلى ربه في ذلك أيضا من خصائص ربوبيته جل وعلا كما قال تعالى: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ [يونس: ٣١]، وقال تعالى: ﴿فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ﴾ [العنكبوت: ١٧]، وقال تعالى: ﴿يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ﴾ [الشورى: ٤٩]، وقال تعالى: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ﴾ [النحل: ٧٢] وقال تعالى: ﴿وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النساء: ٣٢] إلى غير ذلك من الآيات.
وفي الحديث: "إذا سألت فاسأل الله".
وقد أثنى الله جل وعلا على نبيه ﷺ وأصحابه بالتجائهم إليه وقت الكرب يوم بدر في قوله: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ﴾ [الأنفال: ٩]، فنبينا ﷺ كان هو وأصحابه إذا أصابهم أمر أو كرب التجؤوا إلى الله وأخلصوا له الدعاء. فعلينا أن نتبع ولا نبتدع.
تنبيه:
اعلم أنه يجب على كل مسلم أن يتأمل في معنى العبادة، وهي تشمل جميع ما أمر الله أن يتقرب إليه به من جميع القربات فيخلص تقربه بذلك إلى الله ولا يصرف شيئا منه لغير الله كائنا ما كان.
والظاهر أن ذلك يشمل هيئات العبادة فلا ينبغي للمسلم عليه ﷺ أن يضع يده اليمنى على اليسرى كهيأة المصلي، لأن هيأة الصلاة داخلة في جملتها فينبغي أن تكون خالصة لله، كما كان ﷺ هو وأصحابه يخلصون العبادات وهيئاتها لله وحده.
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾.
نزلت هذه الآية الكريمة في الوليد بن عقبة بن أبي معيط، وقد أرسله النبي ﷺ إلى بني المصطلق ليأتيهم بصدقات أموالهم فلما سمعوا به تلقوه فرحا به، فخاف منهم وظن أنهم يريدون قتله، فرجع إلى نبي ﷺ وزعم له أنهم منعوا الصدقة وأرادوا قتله، فقدم وفد منهم إلى النبي ﷺ فأخبروه بكذب الوليد فأنزل الله هذه الآية، وهي تدل على عدم تصديق الفاسق في خبره.