والقعيد: قال بعضهم: معناه القاعد، والأظهر أن معناه المقاعد، وقد يكثر في العربية إطلاق الفعل وإرادة المفاعل، كالجليس بمعنى المجالس، والأكيل بمعنى الماكل، والنديم بمعنى المنادم، وقال بعضهم: القعيد هنا هو الملازم، وكل ملازم دائما أو غالبا يقال له قعيد، ومنه قول متمم بن نويرة التميمي:

قعيدك ألا تسمعيني ملامة ولا تنكئي قرح الفؤاد فيجعا
والمعنى عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد، فحذف الأول لدلالة الثاني عليه، وهو أسلوب عربي معروف، وأنشد له سيبويه في كتابه قول عمرو بن أحمر الباهلي:
رماني بأمر كنت منه ووالدي بريئا ومن أجل الطوى رمان
وقول قيس بن الخطيم الأنصاري:
نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف
وقول ضبائي بن الحارث البرجمي:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله فإني وقيار بها لغريب
فقول ابن أحمر: كنت منه ووالدي بريئا أي كنت بريئا منه وكان والدي بريئا منه.
وقول ابن الخطيم: نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض: أي نحن راضون وأنت راض.
وقول ضابىء بن الحارث: فإني وقيار بها لغريب: يعني إني لغريب وقيار غريب، وهذا أسلوب عربي معروف، ودعوى أن قوله في الآية: ﴿قَعِيدٌ﴾ هي الأولى أخرت وحذفت الثانية لدلالتها عليها لا دليل عليه، ولا حاجة إليه كما ترى، لأن المحذوف إذا صحت الدلالة عليه بالأخير فلا حاجة إلى أن هذا الأخير أصله هو الأول، ولا دليل عليه.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ﴾، أي ما ينطق بنطق ولا يتكلم بكلام ﴿إِلَّا لَدَيْهِ﴾، أي إلا والحال أن عنده رقيبا. أي ملكا مراقبا لأعماله حافظا لها شاهدا عليها لا يفوته منها شيء. ﴿عَتِيدٌ﴾، أي حاضر ليس بغائب يكتب عليه ما يقول من خير وشر، وما تضمنته هذه الآية الكريمة من أن الإنسان عليه حفظة من الملائكة


الصفحة التالية
Icon