تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ﴾ [الأعراف: ٥٧].
فقوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً﴾، أي حتى إذا حملت الرياح سحابا ثقالا، فالإقلال الحمل، وهو مسند إلى الريح. ودلالة هذا على أن الحاملات وقرا هي الرياح ظاهرة كما ترى، ويصح شمول الآية لجميع ذلك.
وقد قدمنا مرارا أنه هو الأجود في مثل ذلك، وبينا كلام أهل الأصول فيه، وكلامهم في حمل المشترك على معنييه أو معانيه، في أول سورة النور وغيرها.
والقول بأن ﴿الْحَامِلاتِ وِقْراً﴾ : هي حوامل الأجنة من الإناث، ظاهر السقوط، وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: ﴿فَالْجَارِيَاتِ يُسْراً﴾ أكثر أهل العلم على أن المراد بالجاريات يسرا: السفن تجري في البحر يسرا أي جريا ذا يسر أي سهولة.
والأظهر أن هذا المصدر المنكر حال كما قدمنا نحوه مرارا: أي فالجاريات في حال كونها ميسرة مسخرا لها البحر، ويدل لهذا القول كثرة إطلاق الوصف بالجري على السفن كقوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ﴾ [الشورى: ٣٢]، وقوله: ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَا الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ﴾ [الحاقة: ١١]، وقوله تعالى: ﴿وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ﴾ [الحج: ٦٥] وقوله تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ﴾ [الجاثية: ١٢] إلى غير ذلك من الآيات.
وقيل الجاريات الرياح، وقيل غير ذلك.
وقوله تعالى: ﴿فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً﴾، هي الملائكة يرسلها الله في شؤون وأمور مختلفة، ولذا عبر عنها بالمقسمات، ويدل لهذا قوله تعالى: ﴿فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً﴾ [النازعات: ٥]، فمنهم من يرسل لتسخير المطر والريح، ومنهم من يرسل لكتابة الأعمال، ومنهم من يرسل لقبض الأرواح، ومنهم من يرسل لإهلاك الأمم، كما وقع لقوم صالح.
والتحقيق أن قوله: ﴿أَمْراً﴾ مفعول به للوصف الذي هو المقسمات، وهو مفرد أريد به الجمع.
وقد أوضحنا أمثلة ذلك في القرآن العظيم، وفي كلام العرب مع تنكير المفرد كما