والعرب تسمي شدة الخلق حبكا، ومنه قيل للفرس الشديد الخلق: محبوك، ومنه قول امرىء القيس:
قد غدا يحملني في أنفه | لاحق الأطلين محبوك ممر |
ويدل على أن الاختلاف إنما هو بين المكذبين دون المصدقين. قوله تعالى في ق: ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ﴾ [قّ: ٥] أي مختلط. وقال بعضهم: مختلف، والمعنى واحد.
وقوله تعالى: ﴿يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ﴾ أظهر الأقوال فيه عندي ولا ينبغي العدول عنه في نظري، أن لفظة ﴿عَنْ﴾ في الآية سببية كقوله تعالى: ﴿وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ﴾ [هود: ٥٣]، أي بسبب قولك، ومن أجله، والضمير المجرور بعن راجع إلى القول المختلف، والمعنى: ﴿يُؤْفَكُ﴾ أي يصرف عن الإيمان بالله ورسوله ﴿عَنْهُ﴾، أي عن ذلك القول المختلف أي بسببه ﴿مَنْ أُفِكَ﴾ أي من سبقت له الشقاوة في الأزل، فحرم الهدى وأفك عنه، لأن هذا القول المختلف يكذب يعضه بعضا ويناقضه.
ومن أوضح الأدلة على كذب القول وبطلانه اختلافه وتناقضه كما لا يخفي، فهذا القول المختلف الذي يحاول كفار مكة أن يصدوا به الناس عن الإسلام، الذي يقول فيه بعضهم: إن الرسول ساحر، وبعضهم يقول شاعر، وبعضهم يقول: كذاب. ظاهر البطلان لتناقضه وتكذيب بعضه لبعض، فلا يصرف عن الإسلام بسببه إلا من صرف، أي صرفه الله عن الحق لشقاوته في الأزل فمن لم يكتب عليه في سابق علم الله الشقاوة والكفر لا يصرفه عن الحق قول ظاهر الكذب والبطلان لتناقضه.
وهذا المعنى جاء موضحا في غير هذا الموضع كقوله تعالى: ﴿فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِين، َإِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ﴾ [الصافات: ١٦١-١٦٣].