هذه الفعلة تدافعها الناس وعاطاها بعضهم بعضا، فتعاطاها قدار وتناول العقر بيده. انتهى محل الغرض منه.
والعرب تقول: تعاطى كذا إذا فعله أو تناوله، وعاطاه إذا تناوله، ومنه قول حسان رضي الله عنه:
كلتاهما حلب العصير فعاطني | بزجاجة أرخاهما للمفصل |
وهذه الآية الكريمة تشير إلى إزالة إشكال معروف في الآية، وإيضاح ذلك أن الله تعالى فيها نسب العقر لواحد لا لجماعة، لأنه قال: ﴿فَتَعَاطَى فَعَقَرَ﴾، بالإفراد مع أنه أسند عقر الناقة في آيات أخر إلى ثمود كلهم كقوله في سورة الأعراف: ﴿فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ﴾ [الأعراف: ٧٧]، وقوله تعالى في هود: ﴿فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ﴾ [هود: ٦٥]، وقوله في الشعراء: ﴿فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ﴾ [الشعراء: ١٥٧]، وقوله في الشمس: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا﴾ [الشمس: ١٤].
ووجه إشارة الآية إلى إزالة هذا الإشكال هو أن قوله تعالى: ﴿فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ﴾ يدل على أن ثمود اتفقوا كلهم على عقر الناقة، فنادوا واحدا منهم لينفذ ما اتفقوا عليه، أصالة عن نفسه ونيابه عن غيره. ومعلوم أن المتمالئين على العقر كلهم عاقرون، وصحت نسبة العقر إلى المنفذ المباشر للعقر، وصحت نسبته أيضا إلى الجميع، لأنهم متمالئون كما دل عليه ترتيب تعاطي العقر بالفاء في قوله: ﴿فَتَعَاطَى فَعَقَرَ﴾ على ندائهم صاحبهم لينوب عنهم في مباشرة العقر في قوله تعالى: ﴿فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ﴾ أي نادوه ليعقرها.
وجمع بعض العلماء بين هذه الآيات بوجه آخر، وهو أن إطلاق المجموع مرادا به بعضه أسلوب عربي مشهور، وهو كثير في القرآن وفي كلام العرب.
وقد قدمنا في سورة الحجرات أن منه قراءة حمزة في قوله تعالى: {فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ