﴿لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ﴾، أي باتباع ما يشرعه من الكفر والمعاصي، مخالفا لما شرعه الله.
وقال تعالى: ﴿إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانا مَرِيداً﴾ [النساء: ١١٧]، فقوله: ﴿وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانا﴾ يعني ما يعبدون إلا شيطانا مريدا.
وقوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ﴾ [سبأ: ٤٠-٤١].
فقوله تعالى: ﴿بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ﴾ أي يتبعون الشياطين ويطيعونهم فيما يشرعون ويزينون لهم، من الكفر والمعاصي على أصح التفسيرين.
والشيطان عالم بأن طاعتهم له المذكورة إشراك به كما صرح بذلك وتبرأ منهم في الآخرة، كما نص الله عليه في سورة إبراهيم في قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَما قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ﴾ إلى قوله: ﴿إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ﴾ [إبراهيم: ٢٢]، فقد اعترف بأنهم كانوا مشركين به من قبل أي في دار الدنيا، ولم يكفر بشركهم ذلك إلا يوم القيامة.
وقد أوضح النبي ﷺ هذا المعنى الذي بيننا في الحديث لما سأله عدي بن حاتم رضي الله عنه عن قوله: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً﴾ [التوبة: ٣١]، كيف اتخذوهم أربابا؟ وأجابه صلى الله عليه وسلم: "أنهم أحلوا لهم ما حرم الله وحرموا عليهم ما أحل الله فاتبعوهم، وبذلك الاتباع اتخذوهم أربابا".
ومن أصرح الأدلة في هذا أن الكفار إذا أحلوا شيئا، يعلمون أن الله حرمه وحرموا شيئا يعلمون أن الله أحله، فإنهم يزدادون كفرا جديدا بذلك، مع كفرهم الأول، وذلك في قوله تعالى: ﴿إِنَّما النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ﴾ إلى قوله: ﴿وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ [التوبة: ٣٧].
وعلى كل حال فلا شك أن كل من أطاع غير الله، في تشريع مخالف لما شرعه الله، فقد أشرك به مع الله كما يدل لذلك قوله: ﴿وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ﴾ [الأنعام: ١٣٧]، فسماهم شركاء لما أطاعوهم في قتل الأولاد.


الصفحة التالية
Icon