وما تضمنته هذه الآية الكريمة من أن الله تعالى هو الذي أنزل الكتاب والميزان أوضحه في غير هذا الموضع كقوله تعالى في سورة الحديد: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ﴾ [الحديد: ٢٥].
فصرح تعالى بأنه أنزل مع رسله بالكتاب والميزان لأجل أن يقوم الناس بالقسط، وهو العدل والإنصاف. وكقوله تعالى في سورة الرحمن: ﴿وَالسَّمَاءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزَانَ، أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ، وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ﴾ [الرحمن: ٧-٩].
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: الذي يظهر لي والله تعالى أعلم: أن الميزان في سورة الشورى وسورة الحديد هو العدل والإنصاف، كما قاله غير واحد من المفسرين.
وأن الميزان في سورة الرحمن هو الميزان المعروف أعني آلة الوزن التي يوزن بها بعض المبيعات.
ومما يدل على ذلك أنه في سورة الشورى وسورة الحديد عبر بإنزال الميزان لا بوضعه، وقال في سورة الشورى: ﴿اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ﴾، وقال في الحديد: ﴿وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ﴾ [الحديد: ٢٥].
وأما في سورة الرحمن فقد عبر بالوضع لا الإنزال، قال: ﴿وَالسَّمَاءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزَانَ﴾ [الرحمن: ٧]، ثم أتبع ذلك بما يدل على أن المراد به آلة الوزن المعروفة، وذلك في قوله: ﴿وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ﴾ [الرحمن: ٩]، لأن الميزان الذي نهوا عن إخساره هو أخو المكيال، كما قال تعالى: ﴿أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ وَلا تَبْخَسُوا الناسَ أَشْيَاءَهُمْ﴾ [الشعراء: ١٨١-١٨٣]، وقال تعالى: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ، الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى الناسِ يَسْتَوْفُونَ، وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ﴾ [المطففين: ١-٣]، وقال تعالى عن نبيه شعيب: ﴿وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ﴾ [هود: ٨٤]، وقال تعالى عنه أيضا: ﴿قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ﴾ [الأعراف: ٨٥]، وقال تعالى في سورة الأنعام: ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها﴾ [الأنعام: ١٥٢]، وقال تعالى في سورة بني


الصفحة التالية
Icon