أجمل ما يعلمون في ما الموصولة ﴿مِمَّا﴾ وقد بينه تعالى في عدة مراحل من تراب أولا ثم من نطفة وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه بيان ذلك في أكثر من موضع وأصرح نص في ذلك قوله تعالى ﴿أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ﴾ [٧٧/٢٠]، وقوله ﴿فَلْيَنْظُرِ الْأِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ﴾ [٨٦/٥-٧]، أي: ماء الرجل وماء المرأة يختلطان معا كما في قوله تعالى ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ﴾ [٧٦/١-٢].
وقوله تعالى ﴿كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ﴾ [٧٠/٣٩]، ليس لمجرد الإخبار لأنهم يعلمون والعالم ليس في حاجة إلى إخبار ولكن يراد بذلك لازم الخبر وهو إفهامهم بأن من خلقهم من هذا الذي يعلمون قادر على إعادتهم وبعثهم ومجازاتهم كما في سورة "الدهر": ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً﴾ [٧٦/٢].
ثم قال ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً﴾ [٧٦/٣].
ثم بين المصير ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاسِلا وَأَغْلالاً وَسَعِيراً إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً﴾ [٧٦/٤-٥].
قوله تعالى ﴿فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ﴾ [المعارج: ٤٠].
قوله تعالى ﴿فَلا أُقْسِمُ﴾ ظاهر النفي والحال أنه أقسم بدليل جواب القسم بعده ﴿إِنَّا لَقَادِرُونَ عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ﴾ [٧٠/٤٠-٤١]، وللعلماء في مجيء ﴿لا﴾ هذه كلام كثير وقد فصله الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في دفع إيهام الاضطراب في سورة البلد وسيطبع إن شاء الله في نهاية هذه التتمة.
وقوله ﴿بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ﴾ [٧٠/٤٠]. فهو الله تعالى رب كل شيء ومليكه وقد نص على نظيره في سورة الرحمان ﴿رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ [٥٥/١٧-١٨].
وقد جمعت ﴿الْمَشَارِقِ﴾ هنا وثنيت في الرحمان وأفردت في قوله تعالى ﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ﴾ [٢/١١٥]، فالجمع على مشارق الشمس في السنة لكل يوم مشرق،


الصفحة التالية
Icon