ما كان بعلة ا هـ.
والذي يظهر والله تعالى أعلم أن التقديم لغرض شرعي وبلاغي وهو أن عداوة العبد لله هي الأصل وهي أشد قبحا فلذا قدمت وقبحها في أنهم عبدوا غير خالقهم وشكروا غير رازقهم وكذبوا رسل ربهم وآذوهم
وقد جاء في الأحاديث القدسية ما يستأنس به في ذلك فيما رواه البيهقي والحاكم عن معاذ والديلمي وابن عساكر عن أبي الدرداء ما نصه "إني والجن والإنس في نبإ عظيم أخلق ويعبد غيري وأرزق ويشكر غيري" وفيه "خيري إلى العباد نازل وشرهم إلي صاعد أتحبب إليهم بالنعم ويتبغضون إلي بالمعاصي" كما أن تقديمه يؤكد بأنه هو السبب في العداوة بين المؤمنين والكافرين وما كان سببا فحقه التقديم
ويدل على ما ذكرنا من أنه الأصل أن الكفار لو آمنوا بالله وانتفت عدواتهم لله لأصبحوا إخوانا للمؤمنين وانتفت العداوة بينهما وكذا كونه مغيا بغاية في قوله تعالى ﴿فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [٤/٨٩]، ومثله قوله تعالى في قوم إبراهيم ﴿وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ﴾ [٦٠/٤]، فإذا هاجر المشركون وآمن الكافرون انتفت العداوة وجاءت الموالاة.
ومما قدمنا من أن سبب النهي عن موالاة الأعداء هو الكفر يعلم أنه إذا وجدت عداوة لا لسبب الكفر فلا ينهى عن تلك الموالاة لتخلف العلة الأساسية كما جاء في قوله تعالى ﴿إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ﴾ [٦٤/١٤]، ثم قال تعالى ﴿وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [٦٤/١٤].
فلما تخلف السبب الأساسي في النهي عن موالاة العدو الذي هو الكفر جاء الحث على العفو والصفح والغفران لأن هذه العداوة لسبب آخر هو ما بينه قوله تعالى ﴿إِنَّما أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾ [٦٤/١٥]، فكان مقتضاها فقط الحذر من أن يفتنوه وكان مقتضى الزوجية حسن العشرة كما هو معلوم وسيأتي زيادة إيضاح لهذه المسألة عند هذه الآية إن شاء الله تعالى
وقد نص صراحة على عدم النهي المذكور في خصوص من لم يعادوهم في الدين في قوله تعالى {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ