مرتدعين عن الكفر والضلال ﴿حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾ أي أتتهم.
ولكن في ﴿مُنْفَكِّينَ﴾ وجه يرفع هذا الإشكال وهو أن تكون ﴿مُنْفَكِّينَ﴾ بمعنى متروكين لا بمعنى تاركين أي لم يكونوا جميعا متروكين على ما هم عليه من الكفر والشرك حتى تأتيهم البينة على معنى قوله تعالى: ﴿أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً﴾ [القيامة: ٣٦] وقوله: ﴿الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ﴾ [العنكبوت: ٢] أي لن يتركوا وقريب منه قوله تعالى: ﴿قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ﴾ [هود: ٥٣].
وقد حكى أبو حيان قولا عن ابن عطية قوله ويتجه في معنى الآية قول ثالث بارع المعنى وذلك أن يكون المراد لم يكن هؤلاء القوم منفكين من أمر الله تعالى وقدرته ونظره لهم حتى يبعث الله تعالى إليهم رسولا منذرا تقوم عليهم به الحجة ويتم على من آمن النعمة فكأنه قال ما كانوا ليتركوا سدى ولهذا نظائر في كتاب الله تعالى ا ه.
فقول ابن عطية يتفق مع ما ذكرناه ويزيل الإشكال الكبير عن المفسرين كما أسلفنا.
ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قول في ذلك نسوقه لشموله وهو ضمن كلامه على هذه السورة في المجموع مجلد ٦١ ص ٥٩٤ قال:
وفي معنى قوله تعالى: ﴿لَمْ يَكُنِ﴾ هؤلاء وهؤلاء ﴿مُنْفَكِّينَ﴾ ثلاثة أقوال ذكرها غير واحد ٧من المفسرين.
هل المراد لم يكونوا منفكين عن الكفر؟
أو هل لم يكونوا مكذبين بمحمد حتى بعث فلم يكونوا منفكين من محمد والتصديق بنبوته حتى بعث.
أو المراد أنهم لم يكونوا متروكين حتى يرسل إليهم رسول.
وناقش تلك الأقوال وردها كلها ثم قال فقوله: ﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ﴾ أي لم يكونوا متروكين باختيار أنفسهم يفعلون ما يهوونه