لا حجر عليهم كما أن المنفك لا حجر عليه وهو لم يقل مفكوكين بل قال: ﴿مُنْفَكِّينَ﴾ وهذا أحسن إلى أن قال والمقصود أنهم لم يكونوا متروكين لا يؤمرون ولا ينهون ولا ترسل إليهم رسل.
والمعنى أن الله لا يخليهم ولا يتركهم فهو لا يفكهم حتى يبعث إليهم رسولا وهذا كقوله: ﴿أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً﴾ [القيامة: ٣٦] لا يؤمر ولا ينهي أي أيظن أن هذا يكون هذا ما لا يكون ألبتة بل لا بد أن يؤمر وينهي.
وقريب من ذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ﴾ [الزخرف: ٣-٥]. وهذا استفهام إنكار أي لأجل إسرافكم نترك إنزال الذكر ونعرض عن إرسال الرسل.
تبين من ذلك كله أن الأصح في ﴿مُنْفَكِّينَ﴾ معنى متروكين وبه يزول الإشكال الذي أورده الفخر الرازي ويستقيم السياق ويتضح المعنى وبالله تعالى التوفيق.
قوله تعالى: ﴿حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفاً مُطَهَّرَةً﴾ أجمل البينة ثم فصلها فيما بعدها ﴿رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفاً﴾.
وفي هذا قيل إن البينة هي نفس الرسول في شخصه لما كانوا يعرفونه قبل مجيئه كما في قوله: ﴿وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ [الصف: ٦] وقوله: ﴿يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ﴾ [البقرة: ١٤٦].
فكأن وجوده ﷺ بذاته بينة لهم.
ولذا جاء في الآثار الصحيحة أنهم عرفوا يوم مولده بظهور نجم نبي الختان إلى آخر أخباره ﷺ وكانوا يستفتحون به على الذين كفروا وكذلك المشركون كانوا يعرفونه عن طريق أهل الكتاب وبما كان متصفا به ﷺ ومن جميل الصفات كما قالت له خديجة عند بدء الوحي له وفزعه منه كلا والله لن يخزيك الله والله إنك لتحمل الكل وتعين على نوائب الدهر إلى آخره.
وقول عمه أبي طالب: والله ما رأيته لعب مع الصبيان ولا علمت عليه كذبة إلخ وقد لقبوه بالأمين.


الصفحة التالية
Icon