وحادثة شق الصدر في رضاعه بل وقيل ذلك في قصة أبيه عبد الله لما تعرضت له المرأة تريده لنفسها فأبى ولما تزوج ودخل بآمنة أم النبي ﷺ لقيها بعد ذلك فقالت له: لا حاجة لي بك فقال: وكيف كنت تتعرضين لي؟ فقالت: رأيت نورا في وجهك فأحببت أن يكون لي فلما تزوجت وضعته في آمنة ولم أره فيك الآن فلا حاجة لي فيك.
فكلها دلائل على أنه ﷺ كان في شخصه بينة لهم ثم أكرمه الله بالرسالة فكان رسولا يتلو صحفا مطهرة من الأباطيل والزيغ وما لا يليق بالقرآن.
ومما استدل به لذلك قوله تعالى عنه: ﴿وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً﴾ [الأحزاب: ٤٦] فعليه يكون ﴿رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ﴾ بدل من ﴿الْبَيِّنَةُ﴾ مرفوع على البدلية أو أن البينة ما يأتيهم به الرسول مما يتلوه عليهم من الصحف المطهرة فيها كتب قيمة.
فالتشريع الذي فيها والإخبار الذي أعلنه تكون البينة وعلى كل فإن البينة تصدق على الجميع كما تصدق على المجموع ولا ينفك أحدهما عن الآخر فلا رسول إلا برسالة تتلى ولا رسالة تتلى إلا برسول يتلوها.
وقد عرف لفظ البينة للإشارة إلى وجود علم عنها مسبق عليها.
فكأنه قيل حتى تأتيهم البينة الموصوفة لهم في كتبهم ويشير إليها ما قدمنا في أخبار عيسى عليه السلام عنه وآخر سورة الفتح ﴿ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ﴾ [الفتح: ٢٩].
قوله تعالى: ﴿فِيهَا كُتُبٌ﴾ جمع كتاب وقال الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في إملائه: ﴿كُتُبٌ﴾ بمعنى مكتوبات.
وقال ابن جرير في الصحف المطهرة: كتب من الله قيمة يذكر القرآن بأحسن الذكر ويثني عليه بأحسن الثناء.
وحكاه ابن كثير واقتصر عليه.
وقال القرطبي: إن الكتب بمعنى الأحكام مستدلا بمثل قوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ [البقرة: ١٨٣] وقوله: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي﴾ [المجادلة: ٢١].


الصفحة التالية
Icon