قلت: هكذا يكون الاقتداء بالكتاب والأنبياء. انظروا إلى هذا الإمام الفاضل والحبر العالم كيف لم يأخذ على عمله عوضا ولا على وصيته بدلا ولا على نصيحته قصدا بل بين الحق وصدع ولم يلحقه في ذلك خوف ولا فزع. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يمنعن أحدكم هيبة أحد أن يقول بالحق حيث كان" وفي التنزيل ﴿يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ﴾ [المائدة ٥٤]
قوله تعالى: ﴿وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ﴾ قد تقدم معنى التقوى. وقرئ "فاتقوني" بالياء وقد تقدم وقال سهل بن عبدالله قوله ﴿وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ﴾ قال موضع علمي السابق فيكم. ﴿وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ قال موضع المكر والاستدراج لقول الله تعالى ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: ١٨٢] ﴿فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [الأعراف: ٩٩] فما استثنى نبيا ولا صديقاً
الآية ٤٢ ﴿وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾
قوله تعالى: ﴿وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ﴾ اللبس: الخلط، لبست عليه الأمر ألبسه، إذا مزجت بينه بمشكله وحقه بباطله قال الله تعالى ﴿وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ﴾ [الأنعام: ٩] وفي الأمر لبسة أي ليس بواضح ومن هذا المعنى قول علي رضي الله عنه للحارث بن حوط يا حارث "إنه ملبوس عليك، إن الحق لا يعرف بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله" وقالت الخنساء:
| ترى الجليس يقول الحق تحسبه | رشدا وهيهات فانظر ما به التبسا |
والبس عليه أمورا مثل ما لبسا